بهزيمة حزب المحافظين في كندا والنجاح الكاسح للحزب الليبرالي في الانتخابات البرلمانية، تنطوي صفحة رئيس الوزراء المحافظ ستيفن هاربر ويفقد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش آخر رجاله الذي بقي وفياً لمتطرفي الجمهوريين الأميركيين ومعانداً الرئيس الأميركي باراك أوباما في العلاقات بين دولتي أميركا الشمالية القائمة على التكامل. ولعل سقوط هاربر والمحافظين الكنديين أفضل هدية للحزب الديموقراطي الأميركي على عتبة انتخابات رئاسية يفترض أن تخوضها هيلاري كلينتون باسم الديموقراطيين لتخلف باراك أوباما وتكمل العناصر الرئيسية في نهجه القائم على تخفف واشنطن من الحروب أو خوضها عبر الوكلاء إن تطلب الأمر ذلك. صورة كندا ستتبدل بعد سقوط هاربر الذي حولها خلال ما يزيد على تسع سنوات الى بلد محارب يتعاون عسكرياً مع الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وفي التحالف الحالي في الحرب على «داعش». كانت كندا تتقدم الى العالم قبل حكم هاربر في صورة البلد المناصر للسلام والذي يقدم معظم عديد قوات الأمم المتحدة المكلفة بالأمن في المناطق الخطرة التي استطاعت المنظمة الدولية التوفيق بين أطرافها المتحاربة، كما كانت كندا لعقود نموذج البلد شبه المحايد ولكن المنحاز الى فقراء العالم، مقدمة المساعدات المادية والعينية في حالات المجاعة وأثناء الكوارث الطبيعية. سيحاول رئيس الحزب الليبرالي جاستن ترودو إعادة كندا الى صورتها التاريخية الزاهية، ولن يعاند جهود واشنطن في الانسحاب من الحروب، لكنه لن ينسى أن كندا المسالمة والمتكاملة مع الولايات المتحدة كانت تعارض دائماً مغامرات شريكتها الحربية، الأمر الذي تذكره جيداً نخب كندية وأميركية عارضت حرب فيتنام في شبابها ولا تريد لمثل هذه الحرب أن تحدث. وأمام ترودو مهمة صعبة هي استعادة التآلف الكندي في القضايا الأساسية، الحريات العامة والاقتصاد وصورة البلد المسالم، بعدما ذهب هاربر بعيداً في نزعة الاستقطاب التي وصلت الى خلافات حتى في القضايا الطارئة، مثل موقف المحافظين المتشدد من نقاب المسلمات الكنديات وجولات محازبيهم على البيوت والمنتديات صارخين «لا نريد حجاباً في بلدنا ولا نريد مساجد»، أمور مثل هذه وغيرها تقترب من العنصرية التي ترفضها بالضرورة تجربة العيش الكندية. يأخذ المحافظون ومعهم مراقبون صحافيون على جاستن ترودو محدودية تجربته، خصوصاً في السياسة الخارجية، لكن الرجل أثبت إحاطته بمعظم قضايا الداخل والخارج، خصوصاً وعيه بمنزلق المواقف الشعبوية من الضرائب التي أودت بحكم حزبه التاريخي لمصلحة المحافظين ورئيسهم ستيفن هاربر. ترودو ابن الثالثة والأربعين عايش مبكراً تجربة والده الطويلة في رئاسة وزراء كندا، إذ كان اسم بيار إليوت ترودو رديفاً لهذا المنصب في نظر الكنديين والعالم. والزعيم الشاب الذي سيتولى قريباً رئاسة الوزراء لن يتخلى عن صورته الشبابية كما لن يسمح بتشبيهه بالزعيم العمالي البريطاني جيريمي كوربن الذي يهدد بتطرفه اليساري حاضر حزبه ومستقبله. ترودو ليس يسارياً ولا متطرفاً، إنه ليبرالي حرّ حريص على الطبقة المتوسطة من أجل استقرار المجتمع، وهو يضبط شبابيته الحارة عبر مساعدين أكفياء يحفظونه من التهور ويسعون معه الى استقرار كندا وإبعادها عن الاستقطاب. إنها كندا جديدة مستعادة تؤكد تكاملها مع الولايات المتحدة، اقتصادياً دائماً، وسياسياً في إطار شخصيتها كبلد مسالم. وستعود هذه الشخصية بعدما تخلصت من حكم رجل جورج بوش، المسمّى ستيفن هاربر.