×
محافظة المنطقة الشرقية

معرض البيت الوردي للتوعية

صورة الخبر

قبل الدخول في صلب الموضوع دعونا نتفق على حقيقتين مهمتين: الأولى: أنه يوجد في هذا العالم أكثر من سبعمئة ديانة وضعية، وثلاث ديانات سماوية (لا يقل أتباع اثنتين منها عن مليار نسمة) وأكثر من 400 ديانة محلية صغيرة (تنتشر فقط في دول ومناطق معينة).. والثانية: أنه توجد داخل الديانات نفسها (حتى السماوية منها) عشرات المذاهب والفرق والطوائف التي ما فتئت تنقسم وتتشعب بمرور الزمن بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ... وهذا كله دليل على أن الانسان هو من اخترع 99,99% من الديانات التي مارسها خلال التاريخ.. فالإنسان يعيش حالة بحث دائم عمن خلق الكون ودبر الخلق.. يستشعر ضرورة وجود حتى لو نشأ وحيدا في جزيرة بعيدة من فرط تأمله وتساؤله عن أصل الحياة والكون. وحين يتوصل بذاته الى وجود «الخالق» تكون الخطوة التالية هي التفكير في كيفية تقديسه والانتساب إليه. وهكذا يبتكر «طقوسا تعبدية» خاصة يقدم من خلالها شعائر الولاء والاحترام لهذه القوة العظيمة.. وبمرور الأيام تصبح هذه الطقوس (مقدسة بذاتها) بحيث تصبح ممارستها مفروضة على الجميع كدليل ولاء وانتماء للمجموعة.. وفي كل جيل تال يظهر رجال دين مهمتهم الوصايا على هذه الطقوس وتفسير أفكار الدين الأساسية.. يحتكرون وحدهم حق تفسيرها والتعديل فيها والإضافة عليها جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن حتى تبدأ بالتشعب والانقسام إلى مذاهب وفرق ومدارس دينية مختلفة! .. وهذه الظاهرة ليست حتمية فقط، بل ونتيجة طبيعية ومتوقعة لتوالي الأفكار وطرق الاستنباط واختلاف الآراء والتأثر بالأعراف والتقاليد المحلية.. تحدث حتى داخل الأديان السماوية بدليل تفرق اليهود إلى 71 فرقة والنصارى إلى 72 فرقة والمسلمين إلى 73 فرقة (ويظل الانسان متحملا مسؤولية هذا التوالد والانقسام حتى نهاية الزمان).. والحقيقة هي أنني حين قررت كتابة هذا المقال كنت أنوي المطالبة بعكس عجلة الزمان والعودة إلى إسلام (بلا مذاهب).. كنت سأطالب بعكس حركة «الانفجار الديني العظيم» إلى «الانكماش المذهبي العظيم» من خلال العودة إلى المنبع الصافي في عصر النبوة.. حين تتأمل حال الرسول وصحابته الكرام في ذلك العصر تكتشف أنهم كانوا على مذهب واحد فقط لا يعتمد على غير الآيات والأحاديث المتواترة.. كان الدين بسيطا ومفهوما ببساطة قوله صلى الله عليه وسلم: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته.. كان الحلال هو القاعدة، والحرام هو المذكور في النص، والمسكوت عنه عافية ورحمة بالعالمين.. كانوا يعتمدون على قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة) وكان مبدأ فتح الذرائع لا سدها هو الأقرب والأسرع في التنفيذ (لدرجة أوقف عمر قطع اليد زمن المجاعة، وامتنع علي عن القصاص من قتلة عثمان خوفاً من انشقاق الأمة)... .. غير أن مطلبي هذا سيبقى للأسف ضمن دائرة التنظير بسبب استحالة إقناع ملايين الناس بترك أفكار المذاهب التي نشأوا عليها (ناهيك عن تسليم زعماء الطوائف وتنازل المتمصلحين من انقسام الأمة) حتى حين تطالبهم بالعودة إلى الأصل والمنشأ.. ولكن؛ في حين يصعب على الأمة إعادة عجلة الزمن (وتبني إسلام بلا مذاهب) لم يفت الأوان بالنسبة إليك كفرد للعودة إلى عصر النبوة والغرف من المنبع الصافي حيث القرآن والأحاديث المتواترة وما سكت عنه الله عافية.