يذهب بعض المحلّلين إلى أن السبب الأول للتدخل الروسي في سورية يعود إلى شعور الروس بأن انهيار نظام الأسد أصبح وشيكًا، وأنه فقد السيطرة على ما يقرب من 90% من الأراضي السورية، لذا فإن تدخلهم جاء للإبقاء على نظامه؛ حرصًا على مصالحهم في المنطقة، وأولها بقاء قواعدهم البحرية والجوية التي تمثل احتلالاً مكتمل الأركان لسورية، وكما سمعت من محلّلين آخرين، فإن هذه الجزئية هي السبب الأول وراء تحركهم الأخير على الأصعدة العسكرية كافة، ولكن التوقيت لا يرجع إلى قرب انهيار نظام الأسد في حد ذاته، بل إنهم قصدوا منذ بداية الثورة السورية أن ينتظروا إلى أن يدنو سقوط الأسد قبل أن يعلنوا عن تدخلهم، وذلك لأسباب عدّة منها: إطالة أمد الحرب قدر المستطاع بين الأسد وخصومه، حتى يتم له تحويل البلاد كلّها إلى أرض محروقة، وتفريغها من ساكنيها من المسلمين السنة، وهم يمثلون أكثر من 90% من السكان، ويمثلون في الوقت نفسه العدو الأول للروس، والخطر الداهم على مصالحهم. وما كان على الروس خلال أربع سنوات مضت على بدء الحرب إلاّ استخدام الفيتو مرّات، ومرّات؛ لمنع تدخل مجلس الأمن، أو إعاقة أيّ عمل أمميّ ضد الأسد، ليبقى في سورية، ويكمل المهمّة: مهمّة إحراق سورية، وتدميرها عن بكرة أبيها، وتهجير سكانها السُّنَّة، وقتل مئات الآلاف منهم، كل ذلك دون أن تتحمّل روسيا أيّ تكاليف، وخلال هذه السنين ظهر على الساحة التنظيم الغامض الذي سهل مهمَّات كلَّ مَن أراد أن يُجهز على ما تبقى من معارضي الأسد، وعلى كلِّ ما تبقَى من سورية، وهو تنظيم داعش، فتدخلت أوروبا كلّها في سورية، وتدخلت أمريكا بحجة محاربة داعش، وكان آخر المتدخلين روسيا بحجة محاربة داعش كذلك، وفي المحصلة لم يحارب أحدٌ «داعش»، بل حاربوا كل أطياف المعارضة، وأبقوا على الأسد، وأبقوا على داعش، لذا كان تزامن التدخل الروسي مع تعاظم الفقاعة الإعلامية حول داعش مناسبًا للغاية، وسبب آخر لهذا التوقيت -وهو الأهم في نظري- أن الروس لو تدخّلوا عسكريًّا في سورية منذ وقت مبكر، حين كان ما يزال لدى الأسد بعض الرمق، فإنّهم كانوا سيخضعون لشروطه، وسيحاربون بناء على ما يمليه عليهم، أمّا في هذا التوقيت بالذات، بعد أن اقترب جيش الأسد من أن يفنى عن بكرة أبيه، ولم يعدْ في الساحة إلاّ عناصر حزب اللات والعزّى، وعصابات الحرس الجمهوري الإيراني، فإن الروس هم مَن يفرض شروطه، بل إن الأسد استجداهم أن يأتوا ويتدخلوا لقاء أيّ ثمن يريدونه، وقد يكون ذلك فرض وصاية عليه، تشبه الانتداب الفرنسي، أو البريطاني في عقد الأربعينيات، وقد يكون وقّع معهم اتفاقية تنصُّ على بقاء قواعدهم لمئة عام!. ومعلوم للجميع أن الأسد وحزبه وطائفته لا يهمهم جميعًا أمر سورية، لا من قريب، أو من بعيد، بل يهمّهم بقاؤهم في مأمن، ولو في حيّز ضيّق لا يتعدّى الساحل الشماليّ الذي تغيّرت تركيبته السكانية، منذ عهد حافظ الأسد لتبلغ نسبة العلويين في اللاذقية وحدها 50%، بعد أن كانوا 2%. لذلك فإن توقيت التدخل الروسي في سورية لم يكن خبط عشواء، بل هو مدبر ومخطط له منذ بدء الأزمة السورية. Moraif@kau.edu.sa