من الأشياء الممتعة والمفيدة في السفر ركوب وسائل النقل الجماعية، وخصوصاً بالنسبة للأشخاص الميالين إلى التفاعل مع الناس، والتعرف أكثر على الشعوب وعاداتها، حيث يتاح للمسافر مشاهدة فئات متعددة من البشر من مختلف الجنسيات والأعراق والأعمار والطبقات والمهن، وبمظاهر وسلوكيات مختلفة، فقد تجلس بجانب من يقرأ في كتاب، أو يسمع موسيقى، أو بجانب آخر مهووس بجهاز الكمبيوتر، أو منهمك بعمل مكتبي، وآخر يتناول وجبته، أو يتحدث بالجوال، ترى المتأنق المظهر والرث الثياب، المتعب من عناء اليوم، أو المستغرق في النوم، والقائمة تطول، بالطبع يمكن أن تكون هناك بعض المناظر المؤذية والسلوكيات المزعجة أو الغريبة، ولكنها مسألة متوقعة طالما أنك في فضاء عام، ومن الصعب التحكم في تصرفات الآخرين. التنقل بالمواصلات العامة تجربة اجتماعية غامرة، قد لا ينجذب لها الكثير منا أثناء السياحة في البلدان الأخرى، لأنهم اعتادوا على التنقل الفردي الذي يحقق لهم الخصوصية، ويجنبهم الاحتكاك بالغرباء، وربما ينظر البعض حسب تصورهم على أنها لا تتناسب مع مستواهم الاجتماعي، ولكن الواقع أن استخدام النقل العام يساعد السائح على الاطلاع عن قرب على ثقافة الشعب وطبيعته، وتنوع شرائحه، ويتيح له فرصة التجول في المدينة واستكشافها أكثر، بجانب أنه يتعلم القواعد والآداب المطلوب الالتزام بها أثناء التنقل. الحديث عن النقل العام يجرني إلى التساؤل عن عدم إعطائها الأهمية عندنا رغم الاحتياج الشديد لها بسبب التزايد السكاني والتوسع العمراني والتلوث الذي نعيشه، فمن ينظر إلى مدينة الرياض في معظم أوقات اليوم يجد أن زحف السيارات في الشوارع يوشك أن يشل الحركة فيها، وهذا يوافق ما يقال إن المدينة التي تعيش بلا شبكة نقل عام تنذر مع الأيام بالتوقف! لقد توصلت كثير من الدراسات المعدة عن الفوائد الصحية والاجتماعية التي يكتسبها الأفراد الذين يستخدمون وسائل النقل العامة - كالحافلات مثلاً- إلى جملة من المزايا منها: - الحصول يومياً على ثلاثة أضعاف النشاط البدني مقارنة بالذين لا يستخدمونها الأمر الذي يقلل من الإصابة بكثير من الأمراض. - الاقتصاد في الوقت والجهد وتقليل التوتر. - تخفيض نسبة الحوادث ومعدلات الجريمة. - تسهيل فرص الحصول على التعليم والعمل، وما يحققه ذلك من نتائج اقتصادية أفضل على المدى البعيد، إضافة إلى إتاحة الفرصة لارتياد المراكز الترفيهية والاجتماعية مما يقوي الروابط الاجتماعية بين الناس المتجاورين. - التقليل من التلوث الجوي . - تخفيض النفقات مما يتيح الفرصة للتوفير وتحسين ظروف المعيشة. - تحسين مستوى الصحة العام عند المسنين، وسهولة وصولهم إلى المراكز الصحية والاجتماعية والخدمية. ترى هل فكر واضعو الخطط منذ عقود بالمزايا الاقتصادية والبيئية والصحية لوسائل النقل العامة، وأثر استخدامها على تعزيز التفاعل الاجتماعي بين الناس؟