تعد مرحلة التعليم الأساسي بشكل خاص من أهم مراحل التعليم للأبناء، كونها المحطة الرئيسية لتكوين شخصيتهم وصقل مهاراتهم وغرس المفاهيم الصحيحة، وزرع البذور السليمة لإعدادهم بالصورة المثلى للانتقال إلى المرحلة الجامعية والحيلولة دون وجود فجوة بين هاتين المرحلتين، والتي تقود الطلاب إلى التشتت والضياع في اختيار تخصصاتهم وبالتالي عدم القدرة على اتخاذ القرارات المستقبلية التي تحدد مصيرهم، وترسم ملامح مسيرتهم المهنية فيما بعد. أكد عدد من أولياء الأمور في أبوظبي أن مشكلة تدني مستوى التعليم في بعض المدارس رغم الأقساط الكبيرة التي تتقاضاها من أولياء الأمور، أحد أبرز القضايا التي تؤرقهم، رغم بذلهم قصارى جهدهم لتوفير جميع متطلبات المدارس حرصاً منهم على مستقبل أبنائهم، في حين يفاجؤون بأن بعضها أضحى مجرد اسم فقط مفرغ من المضمون، ولا تولي العملية التدريسية أي اهتمام، وقد يلجأ بعضها الآخر لتوظيف مدرسين ليس لهم خبرة في هذا المجال، ولديهم ضعف شديد في إيصال المعلومات للطلاب ما يدفع بالأهالي للجوء إلى الدروس الخصوصية التي تشكل عبئاً مادياً إضافياً يرهق ميزانيتهم، مشددين على ضرورة الارتقاء بالعملية التعليمية لضمان مستقبل أفضل لأبنائهم. الخليج استطلعت آراء عدد من أولياء الأمور حول هذه الإشكالية وأسباب تعثر أبنائهم في التحصيل الدراسي، ودور المعلمين من جهة، والأسرة من جهة أخرى في النهوض بمسيرة التعليم نحو مخرجات تركز على مواكبة التطور الذي تشهده الدولة والنهضة التي تعيشها على كافة الصعد. مسؤولية مشتركة يشير حسين محمد أحمد (موظف)، إلى ضرورة توحيد مستوى التعليم في المدارس وإلزامهم بمستوى معين من قبل الجهات المعنية بالموضوع، لئلا تتفاوت مستويات الطلاب، وترك العملية التعليمية بيد المدارس تسيرها كيفما شاءت وبما يخدم مصالحها من دون اكتراث لمستقبل الطلاب، لافتاً إلى أن ضعف التحصيل الدراسي للطلاب مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المدرسة وأولياء الأمور، إذ إن إهمال الأهل لدراسة أبنائهم والواجبات المنزلية وعدم تحفيزهم على التعليم، تتصدر المشكلات التي تقع على مسؤولية الأهل، وتعود إلى مصادر وأسباب عدة منها تتعلق بالأسرة ونمط التربية السائد كالتسلط والقسوة الزائدة والتحقير والإهانة أو الدلال الزائد، بينما يعاني الطلاب مشاكل تعليمية تتمثل في عدم المعاملة المتساوية داخل الغرفة الصفية، وزخم وصعوبة المنهج، ومنها ما يتعلق بالبيئة المدرسية ذاتها من رفاق وطلبة ومعلمين وإدارات ومرافق، إذ تؤثر صحبة الطالب لزملاء لا يهتمون بالتحصيل الدراسي في مستواه الدراسي. لذلك يجب على الأهل متابعة أبنائهم عن قرب، ومعرفة من هم أصدقاؤهم لأن الصديق له أثر كبير في هذا الخصوص. تغليب المصلحة المادية من جانبها، قالت أم عبد الله السويدي ربة منزل: إن مستوى التعليم للأسف مرتبط اليوم بقيمة الأقساط المادية التي يدفعها الأهل، وحتى أن هناك بعض المدارس التي تتقاضى مبالغ كبيرة ولا تهتم بالتعليم ولا تكترث بمستوى الطلاب، وتلقي باللوم على إهمال ولي أمر الطالب، ويتذرعون بعدم متابعة ابنه في المنزل، في حين أصبحت هذه المدارس تعتمد في الآونة الأخيرة على مدرسين من جنسيات مختلفة ليس لديهم أدنى مستوى مطلوب من الخبرة، ولا يمتلكون اللغة السليمة لشرح الدروس للطلبة، فقط لأنهم يتقاضون رواتب متدنية تحقق توفيراً مادياً لإدارة المدرسة على حساب مصلحة الطالب ومستقبله، ما يؤدي إلى ضعف الطلاب في هذه المواد وكرههم لها بسبب ضعف المعلم. وأضافت: هناك مدارس كذلك إلى الآن لم تبدأ بالمنهاج الدراسي، وبعض الكتب لم تسلم للطلاب، ويضيع أبناؤنا وقتهم بالذهاب والقدوم من وإلى المدرسة دون أية فائدة، فلا يأخذون دروسا ولا يعطونهم واجبات منزلية، إضافة إلى سوء الخدمات في بعض المدارس غير ذات الصلة المباشرة بالتعليم، مثل عدم الاهتمام بالنظافة والرعاية الصحية، فتجد أبناءنا لا يستطيعون دخول الحمامات نظراً لعدم صلاحيتها للاستخدام، وينتظرون حتى موعد عودتهم إلى المنزل، ما قد يشتت انتباههم خلال الحصص الدراسية. ضعف اللغة العربية وبدورها، لفتت حواء المنصوري (طبيبة)، إلى أن المناهج ومستوى التعليم في دولة الإمارات يعد متطوراً جداً بالنسبة إلى عمر دولة الإمارات، ولكن هناك مواد قوية جداً ومواد تشهد ضعفاً في الاهتمام على المستوى العام وخاصة اللغة العربية، التي كانت سابقاً مستوياتها عالية بينما لا يهتم الطلاب اليوم بها ولديهم ضعف شديد في النحو والإعراب والقصائد، فضلاً عن تحبيذ الطلاب والأهالي كذلك للمواد العلمية على حساب المواد الأدبية، إلى جانب أن جيل اليوم لديه قناعة بأن اللغة الإنجليزية هي مفتاح مستقبله العملي والمهني، ما يدفعهم لتجاهل اللغة العربية وكأن لا أهمية لها، حتى إنهم فيما بينهم وفي منازلهم وفي الطرق يتكلمون باللغة الإنجليزية ما يهدد مستقبل لغتنا التي هي تمثل ثقافتنا وموروثنا. عدم التقيد بالمنهاج من جهتها، أكدت مريم عقلة الصفدي، (ربة منزل) وأم لأربعة أطفال، أن أهم خطوة في التعليم هي الاهتمام بالطفل منذ مراحله العمرية الأولى، وتنمية قدراته ومهاراته وإيلائه اهتماماً كبيراً من قبل الأهل لأن ذلك يعد الأساس الأول لجميع مراحل حياته، وعليه يبنى نجاحه أو فشله في المستقبل، لافتة إلى أن مستوى التعليم ضعيف في عدة مدارس خاصة وحكومية، إذ إن هناك بعض المدارس التي لا تتقيد بالمنهاج وتقوم بتكليف أولياء الأمور بشراء الكتب بمبالغ أغلى مما يجب والتنبيه على الطلبة بتركها في المنزل لأن لا حاجة لهم بها، متسائلة لماذا تتم طباعة الكتب وإرهاق الأهل بشرائها وترتيبها ومن ثم الاحتفاظ بها على رف مهمل في المنزل من دون العودة إليها حتى في الامتحانات. دورات تدريبية للمعلمين أكد أولياء الأمور ضرورة إخضاع المعلمين لدورات تدريبية خاصة برفع مستوى مهاراتهم، وعدم إلقاء المدارس اللوم على الأهالي في تدني مستوى التحصيل الدراسي لأبنائهم، واتهامهم بعدم التعاون مع إدارة المدرسة وعدم الاهتمام، إذ ينبغي أن يكون دور المدرسة والأهل تكاملياً للخروج بأفضل النتائج، وأنه على إدارات المدارس إلغاء تجميع الطلبة ذوي مستوى التحصيل الدراسي المتدني في صف واحد ومضاعفة إهمالهم، والتعامل معهم بسلبية، وضرورة دمجهم مع الطلبة المتفوقين لتعزيز التنافسية بين الطلاب، إلى جانب مضاعفة الواجبات المنزلية لهم، وعمل اختبارات أسبوعية للطلبة لتشجيعهم على الدراسة بشكل متواصل وليس في فترة الامتحانات فقط. كما أوضحت شيماء الزعابي أخصائية اجتماعية، أن من أهم أسباب تدني مستوى التعليم وضعف التحصيل الدراسي للطلاب عدم قدرة بعض المعلمين على التواصل مع الطلاب وتفهم عقليتهم، وعدم قدرة الطالب على استيعاب المنهاج، ما يؤدي لتملله من الدراسة وكرهه للتعليم، إلى جانب عدم مراعاة بعض المعلمين للفوارق الفردية بين الطلاب، فضلاً عن عدم وجود أساليب تدريسية ممتعة تحبب الطالب وتشجعه على الدراسة، مؤكدة أن اللوم في ضعف مستوى التعليم والتحصيل الدراسي للطالب يقع على المدرسة والأهل، لأن ذلك يعد مسؤولية مشتركة بين الجانبين، إذ يجب على الأهل تربية أبنائهم على حب العلم والمدرسة، وشرح أهمية التعليم لهم، ويتجلى دور المدرسة كذلك في تشجيع وترغيب الطالب بالدراسة، وتوفير التعليم الممتع والنافع له في آن واحد.