×
محافظة المنطقة الشرقية

«ساب» يفوز بجائزة «أفضل منشأة تجارية في التوظيف»

صورة الخبر

المقامات تجسم روحية الأدب العربي خير تجسيم. وقد ضمت كثيرا من البذاءات، فضلا عن الطرائف الأدبية، وتنتهي عادة بمقلب. ظل الأدباء يتحرقون لمحاكاتها. كان منهم ناصيف اليازجي. ألف عددا منها. اشتهرت بينها المقامة العراقية. نلتقي فيها بشيخ يشكو غلامه للأمير في افترائه عليه وتحويله ما يقوله مدحا إلى هجاء يؤدي به إلى السجن. فقال الأمير: «يا هذا، تقرر في علم الأصول، الدعوى لا تصح على المجهول. فدعنا نسمع أبياتك»، فأنشد الشيخ ما اعتبره مديحا: إذا أتيت نوفل بن دارم أمير مخزون وسيف هاشم وجدته أظلم كل ظالم على الدنانير أو الدراهم وأبخل الأعراب والأعاجم بعرضه وسره المكاتم لا يستحي من لوم كل لائم إذا قضى بالحق في الجرائم ولا يراعي جانب المكارم في جانب الحق وعدل حاكم يقرع من يأتيه سن النادم إذ لم يكن من قدم بقادم قال الأمير: «فكيف سرق وعلى أي نسق؟»، فأجاب: «قد أخذ أصحاب الشمال ونبذ أصحاب اليمين»، يعني أنه أبقى صدر الأبيات وحذف عجزها، فإذا بها تصبح هجاء هكذا: إذا أتيت نوفل بن دارم وجدته أظلم كل ظالم وأبخل الأعراب والأعاجم لا يستحي من لوم كل لائم ولا يراعي جانب المكارم يقرع من يأتيه سن النادم قال الأمير: «أولى بك يا غلام، كيف سللت الملح من الطعام؟»، فأجاب الغلام: «إني ما أنشدت إلا لنفسي، ولا جنيت إلا من غرسي»، فأنف الشيخ من ذلك المراء. وقال: «ويحك، أأنت من الشعراء؟ عند الامتحان يكرم المرء أو يهان»، فسأله: «إن كنت من أهل الأدب، فما أبحر الشعر عند العرب؟»، فأنشد: أطل مد وابسط فر وكمل كهازج وارجز برمل واسرع اسرح مخففا وكن ضارعا واقصب من اجتث واقترب برمز لنا عن أبحر الشعر قد كفى قال: «قد جئت بالجواب الكافي، فهل تعرف ألقاب القوافي؟»، فقال: إن رمت ألقاب القوافي كلها فهناك خمس لا يليها سادس هي عندهم مترادف متواتر متدارك متراكب متكارس قال: «وهل تعرف ما للقوافي من أجزاء وما لأجزائها من أسماء؟»، فأنشد: إذا رمت أجزاء القوافي فسل بها خبيرا يجيد القول حين يقول روي ووصل والخروج وراءه وردف وتأسيس يليه دخيل وما زال الشيخ يسأل والغلام يجيب حتى انبهر الأمير فأجازه بكوم من الدنانير جبرا لقلبه الكسير. وخرج محملا بالمال والشيخ غاضب مقطع الأوصال، وما ابتعدا حتى جلسا ليتقاسما ما كسبا!