×
محافظة المنطقة الشرقية

غرفة تجارة وصناعةالكويت: نتطلع لمزيد من التعاون التجاري والاقتصادي الكويتي - الفرنسي

صورة الخبر

يا ليت > لم يُقبِل البريطانيون على أعماله حين ترجمت من الفرنسية منذ السبعينات، لكنّ الناشرين على الأقل اهتموا بباتريك موديانو بعد نيله نوبل العام الماضي. في الصيف، أصدرت دار بلومزبري ثلاثية الاحتلال التي تضم «ساحة النجمة» و «حراسة ليلية» و «الطرق العامة»، ونشرت «ماكلهوس برس» «نسب» و «لكي لا تضيع في الحيّ»، آخر رواياته. يدين موديانو بأول الشهرة في بلاده إلى كونه أحد أول الكُتاب الذين تحدّوا أسطورة المقاومة الوطنية في الحرب العالمية الثانية. تعاونت حكومة المارشال فيليب بيتان، بطل الحرب العالمية الأولى، مع المحتلين النازيين، لكن الجنرال شارل ديغول عكس التعامل بالادعاء أن بلاده لم تستسلم و «أن فرنسا كلها، فرنسا الوحيدة، فرنسا الحقيقية، فرنسا الأبدية» قاومت النازية. رفض موديانو كذبة الجنرال، وفصّل ملاحقة الغستابو الفرنسي لأبناء وطنهم المقاومين. كان في الثانية والعشرين حين أثار الجدل بـ «ساحة النجمة» الغاضبة. لم يعنِ الكاتب اليهودي الأب ساحة قوس النصر فقط، بل أيضاً موضع النجمة الصفراء التي أُجبر النازيون اليهود على وضعها على صدورهم. بطله رافاييل شليميلوفتش (أي ابن عاثر الحظ) يتعامل مع الاحتلال ويكره قومه، وينشط وسط جو من الفساد والانفلات والرضى عن الذات. تبنى الكاتب الشاب الأسلوب الجدلي العنيف، الفظ للكُتاب المتعاونين الذين وجد أعمالهم في مكتبة والده مثل لوي- فردينان سيلين، لوسيان ريباتيه والصحافي روبير براسياك. في «دورا برودر» الصادر في 1997 قال إنه شاء في كتابه الأول الرد على الإهانات الجارحة في شأن والده على ساحة اللغة الفرنسية لكي يسكتهم مرة واحدة نهائية. في مذكراته «نسب» نتعرف إلى أصل موديانو الهاجس بالهوية والأمكنة، والذي كان نتاج «كومة روث الاحتلال». والدته، الممثلة البلجيكية لويزا كولبين، توفيت مطلع هذه السنة، وعملت في الحرب مع شركة إنتاج فرنسية في باريس. تسرّعت الفتاة الجميلة، الطائشة، الزئبقية، ذات القلب القاحل في لقاء والده ألبير، اليهودي القادم من سالونيكا، وكانت النتيجة أنه لم يحس يوماً أنه ابن شرعي. جالت الأم مع الفرقة، وسافر الأب باستمرار يبحث عبثاً عن صفقة ناجحة، فنشأ مع أصدقائهما. رُفِض واحتُقر ورُكل، فقال: «أنا كلب يتظاهر بأنه ابن نسب». شعر الفتى أن وجوده نفسه مجبول بالغش، ولم تبدأ الحياة الحقيقية إلا مع الكتابة في الواحدة والعشرين. تملّص والده من خطر الاعتقال بتدبير الصفقات للمتعاملين في السوق السوداء، و «كان بإمكانه إنهاك عشرة قضاة يستنطقونه». العبارة تظهر حرفياً تقريباً في «لكي لا تضيع في الحيّ» في وصف والد البطل جان داراغان. يتصل رجل بالكاتب المنعزل داراغان ليقول إنه عثر على دفتر العناوين الذي أضاعه، وسيعيده إليه شخصياً. يستنطق الغريب الكاتب حول اسم ورد في الدفتر، ويعيده إلى طفولته. يتذكر جريمة قتل والهرب إلى إيطاليا وسط الخيانة والتعامل مع المحتل النازي. تركه والداه طفلاً مع فنانة الاستعراض آني أستران في ضاحية باريسية. تلتقيه ثانية في الزمن الحاضر في قصر بارد مهجور قرب غابة بولون وتقول: «المكان هنا مليء بالأشباح». رأى نقاد فرنسيون «لكي لا تضيع في الحي» الصادرة العام الماضي أكثر أعمال موديانو محاكاة لحياته. في خطابه لدى تسلّمه نوبل روى كيف تركه أهله في عهدة أصدقائهما، الغرباء الذين لم يعرف شيئاً عنهم. حاول فيما بعد اكتشاف المزيد عن هؤلاء، وأدى ذلك إلى الكتابة التي بدت، مع الخيال، قادرة على لملمة حياته المبعثرة. رأته الأكاديمية السويدية مارسل بروست زمننا، لكنه يقتضب ويكرر ويتشوّش، ولا تتجاوز ثلاثيته كلها 336 صفحة. هل خلّصته كتبه الثلاثون من أشباح الماضي البارد؟ كذب طويلاً حول عمره، وقال إنه ولد في 1947، عام ميلاد شقيقه رودي الذي رحل بالسرطان في العاشرة. يرى كاتب سيرته ديني كونار أنه بتجاهله مولده في 1945 ينأى عن الحرب، ويكرّم ذكرى شقيقه في الوقت نفسه. في بداية «الطرق العامة» يقتبس من آرتور رامبو، أحد شعرائه المفضلين: «يا ليت كان لي ماضٍ في نقطة أخرى من التاريخ الفرنسي! ولكن لا، لا شيء». على الشاطئ الغربي > يضمّ الكتاب الأخير لوليم بويد صوراً لآمري كلاي بينها واحدة لها وهي في العشرين تسبح في بركة. صور لوالدتها على الشاطئ، عشيقها جان- باتيست شاربونو، جندي ألماني ميت في فرنسا، ساهرين في ملهى في برلين. لكن آمري ووالدتها وعشيقها ليسوا حقيقيين كما يخيّل للقارئ، بل شخصيات في روايته الأخيرة «ملاطفة عذبة» الصادرة عن بلومزبري. قدّم الكاتب البريطاني ثلاث شهادات عن القرن العشرين المخضّب بحروبه وتحولاته في أقل من ثلاثين عاماً عبر مخرج ومصوّر مسنّ في «الاعترافات الجديدة» في 1987. يوميات كاتب ومصور حرب في «أي قلب بشري» الأكثر مبيعاً في 2002. والآن مصورة صحافية تعدو بكاميرتها بين القارات، وتستعيد حياتها بتسجيل مبسّط لا عمق فيه. تنتظر آمري المريضة غروبها وهي تحدّق في موج شاطئ سكوتلندا الغربي وتتذكر. كانت في المدرسة الداخلية تدرس وتدخّن وتتعرّف إلى الجنس حين زارها والدها، بطل الحرب الوسيم المرح الذي تحول كاتب قصة ناجحاً. صحبها في سيارته وهو ينوي الانتحار معها، لكن البحيرة التي هوت السيارة فيها لم تكن عميقة ما يكفي. نُقل إلى المصح، ورسبت في الامتحانات، وتوقف مدير المدرسة عن الحديث عن أكسفورد. قصدت عمها المصور في لندن، وكسبت رزقها من تصوير الأزياء. سافرت إلى برلين وصوّرت بائعات الهوى والمثليات في ناد ليلي تحت الأرض. عرضت الصور في لندن واتهمت بالفحش، وفي مسيرة لـ «القمصان السود» في شرق المدينة هاجمها الفاشيون بعنف وركلوا بطنها. غادرت إلى نيويورك لتعمل في مجلة نسائية وتتخذ عشاقاً أثرياء، متحذلقين. ثم خاضت في أهوال الحرب العالمية الثانية وفييتنام. يكاد تصوير برلين ما قبل الحرب يكون زائداً عن الحاجة بعدما سجّل الكاتب الأميركي المثلي كريستوفر إيشروود مناخها الفاجر في «السيد نوريس يغيّر القطار» و «وداعاً برلين» التي حُوّلت مسرحية «أنا كاميرا» وفيلم «كباريه». لكن بويد يجهد في البحث، ويقسم النقاد بين معجب وفاتر ولئيم. المرايا أيضاً > اشتهر بدقته النابوكوفية في الكتابة ونثره الشاعري العميق، لكن جون بانفيل لم يجد مصفقين كثراً لروايته الأخيرة «الغيتار الأزرق» الصادرة عن «فايكنغ». بطله فنان متوسط العمر يرسم ليبلغ جوهر الأشياء، ثم يدرك أن لا وجود للشيء نفسه بل لأثره وحده. يحب أوليفر سرقة ما لا فائدة فيه، وآخر سرقاته بولي الطائشة القصيرة القامة، زوجة أعز أصدقائه ماركوس، التي يراها فتاة قروية غير جميلة خلافاً لزوجته غلوريا الأصغر سناً. تحبه بولي، لكن كل ما يريده هو استهلاكها تماماً، وهذا ما يفعله. حين يستخدم ماركوس الكئيب، الذي يمتهن إصلاح الساعات، كلمة «الكرب» يتوقف أوليفر عندها. «هذه هي الكلمة التي استعملها، الكرب. فكرت أنها غريبة حتى في الظروف الصعبة، وأنها تنميق أكثر منها كلمة». فقد أوليفر طفلته أوليفيا حين كانت في الثالثة، ويشترك بالاسم نفسه مع صديق أحبه في المدرسة وشقيقته أوليف. فقد أيضاً مجده، وبات قاحلاً، لا أخلاقياً يراقب ذاته ويحتقرها، ولا يعيش بل يتلصّص على نفسه وهو يعيش. أحب الفنان ذو الشعر الملتف كزهرات القنبيط الانعكاس في المرايا الذي رآه نوعاً من السرقة. الرسم أيضاً كان سعياً دائماً إلى التملّك، لكنه أبقى الآخرين والأشياء على مسافة منه، فتجرّد من العاطفة. «آه. الحب. إنه العنصر السري الذي أنساه دائماً وأهمله». تختلط الحياة أحياناً ويظنها خيالاً. حين يقصد وبولي بيت طفولتها يظن أنه يتخيل المكان. وحين ترفع شعرها وترتدي ملابس زرية تفقد جاذبيتها ويتصور أنها ابنته. زوجته المهانة أيضاً تترك النفس لموجات الضياع كأنها لا تتذكر تماماً من هي. كوفئ بانفيل ببوكر عن «البحر» في 2005، واستوحى عنوان روايته الأخيرة من قصيدة لوولاس ستيفنز ولوحة لبيكاسو.