كشف متخصص في نظم المعلومات الجغرافية وعضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة أم القرى ووكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية الدكتور حسن بن محسن خرمي، أن المملكة تحتاج لإنفاق كبير جداً على مدى السنوات القادمة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه والكهرباء بشكل خاص والطاقة بشكل عام. وأشار إلى أن معوقات نشر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية في المملكة، فنية تتمثل في الفجوة التقنية وغياب الجانب المعرفي، لافتاً إلى انه يمكن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر وتبريد المباني، وسيساعد إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وخصوصاً في المناطق النائية والريفية في تحسين مستوى المعيشة للأفراد وتوفير احتياجات هذه المناطق. وقال لـ «اليوم»: الطاقة بمعناها البسيط تعني القدرة على القيام بنشاط ما، وهي مقوم رئيسي للمجتمعات المتمدنة، وضرورية لتسيير الحياة اليومية وللطاقة أشكال عدة ومن أهمها الطاقة الكهربائية والإشعاعية والذرية، والحرارة ولها تصنيفان أساسيان، هما الطاقة التقليدية وتتصف بأنها غير متجددة مثل النفط والغاز الطبيعي، وحتى تتجدد تحتاج لفترات زمنية طويلة جداً. وواصل حديثه «وأما التصنيف الثاني فهو للطاقة المتجددة والنظيفة وتتصف بأنها صديقة للبيئة وغير قابلة للنفاد مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة المياه والأمواج والطاقة الجوفية وهي التوجه الجديد للاستثمار في الطاقة والتي تتجه لها جميع دول العالم وخصوصاً المتقدمة ومنها المملكة العربية السعودية والتي تضخ مليارات الريالات لتطويرها والاستفادة منها، ولعل خير شاهد على ذلك إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، حيث يعتبر قرار إنشائها هاما واستراتيجيا ويشكل عاملا رئيسيا لتحقيق التنمية المستدامة». موارد مستدامة وأضاف خرمي إن المملكة العربية السعودية دولة كبرى في إنتاج النفط، وتمتلك احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي ومع وجود هذه الاحتياطات الضخمة جداً, إلا أن هناك إدراكا حقيقيا بأن هذا النوع من الطاقة الطبيعية مثل الغاز والنفط سيأتي يوم وتنضب، ولذلك بدأت المملكة التركيز على الطاقة المتجددة التي لا تنضب، هذا بالإضافة إلى ما يعانيه العالم اليوم من مشاكل في البيئة الناتجة عن استخدام واستخراج الطاقة التقليدية والتي أدت إلى تغير في المناخ، والاحتباس الحراري، والتدهور البيئي. ولذلك لابد من ممارسات واستثمار مستدام والمحافظة على الموارد لتكون سبلًا أساسية للمحافظة على الحياة في بيئة نظيفة. وأكد الدكتور خرمي أن المملكة تحتاج إلى إنفاق مبالغ كبيرة جداً على مدى السنوات القادمة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه والكهرباء بشكل خاص والطاقة بشكل عام، مبينا أن استهلاكنا المحلي يعتبر جداً عاليا مقارنة بالعديد من الدول في العالم، والعديد من الدراسات والتقارير تشير الى أن الطاقة من نفط وغيره لن تكون كافية لسد الطلب المحلي في المستقبل. دعم الاستثمار وقال المتخصص في نظم المعلومات الجغرافية «ظهر أن إنتاج الطاقة عن طريق النفط الخام أو الديزل ذو تكلفة مادية وبيئية عالية، ولذلك هناك حرص لتوفير الحياة المتجددة للإنسان، ومن البديهي أن تطرق المملكة سبل الريادة في دعم الاستثمار ونشر الوعي والبحث العلمي والابتكار في مجال الطاقة المتجددة النظيفة؛ وذلك انطلاقًا من وعيها البيئي، وتسخير التقنيات المتقدمة في سبيل الحصول على طاقة نظيفة مستدامة، كالطاقة الشمسية والنووية». واسترسل: هناك جهود حثيثة تبذلها الدولة لوضع الخطط الطموحة والمبتكرة في مجال الطاقة النظيفة وهي التزامات وجهود مميَزة تتماشى مع رؤية حكومة المملكة العربية السعودية التي آمنت بضرورة حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية لأجيال المستقبل. وأتوقع أنه لابد من تسريع الخطوات في تشكيل منصة لاستعراض طاقة المستقبل المتجدّدة والتقنيات النظيفة، وإجراء البحوث عليها وتطويرها واختبارها وتطبيقها وتسويقها. وقال «لعل بناء شراكة حقيقية وقوية بين وزارة التعليم ممثلة في أودية التقنية التي تتبع للجامعات كوادي مكة للتقنية الذي يتبع لجامعة أم القرى ووادي الرياض للتقنية الذي يتبع لجامعة الملك سعود ووادي الظهران للتقنية الذي يتبع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبدعم من مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا ووزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة التجارة والصناعة، ستكون انطلاقة قوية لتكوين مجتمع معرفي يتم فيه باستمرار أحدث وآخر مشاريع البحوث والتطوير في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وتجري فيه المشاريع التجريبية، واختبارات التكنولوجيا، وبناء بعض أحدث المباني وأكثرها استدامة على مستوى العالم. فجوة تقنية وتابع خرمي ان من أسباب تأخر نشر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية في المملكة معوقات فنية ممثلة في الفجوة التقنية وغياب الجانب المعرفي ومعوقات تسويقية، وغياب تعريف المستهلك بتطبيقات الطاقة المتجددة المنزلية مثل التسخين الشمسي للمياه وانخفاض مستوى التشغيل والصيانة، كخدمات لما بعد البيع ومعوقات تشريعية ومحدودية مشاركة القطاع الخاص في إنشاء مشروعات لإنتاج واستخدم تطبيقات الطاقة المتجددة وقصور التمويل. وأبان: لذلك من المهم القيام بحملات توعوية ناجحة كالتي يقوم بها المركز السعودي لكفاءة الطاقة والتي تهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة التي لابد أن يصاحبها أيضاً توعية ونشر لثقافة الاستثمار في الطاقة الشمسية وكذلك استخدام ألواح الخلايا الشمسية لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى التصميم المعماري الذي يؤمن الاستغلال الأمثل للطاقة الشمسية. وأكد أنه يمكن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحر ولتبريد المباني، وسيساعد إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وخصوصاً في المناطق النائية والريفية في تحسين مستوى المعيشة للأفراد وتوفير احتياجات هذه المناطق من الكهرباء بالتكلفة المناسبة لهم وتحسين نوعية الحياة لما يوفره من خدمات تعليمية وصحية أفضل لسكان هذه المناطق، بالإضافة إلى المساهمة في توفير فرص عمل للمواطنين في هذه المناطق في مجالات تصنيع وتركيب معدات الطاقة المتجددة وصيانتها. الطاقة النووية ولفت خرمي الى أن الطاقة النووية من أنواع الطاقة المهمة التي يجب الاستثمار فيها وهي الطاقة التي تتحرر أثناء التفاعل النووي وتستخدم محطات الطاقة النووية الطاقة الناتجة عن الانشطار؛ لتوليد الطاقة الكهربائية وفي الآونة الأخيرة برزت الطاقة النووية كخيار أمثل للمملكة العربية السعودية وهذا كان بارزاً في زيارة سمو ولي ولي العهد إلى روسيا وتوقيع ست اتفاقيات تشمل تعاونا في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وأضاف بقوله: الجميل أن الطاقة النووية تستخدم تكنولوجيا آمنة وصديقة للبيئة وموثوقة، كما أنها مجدية اقتصاديًا، وقادرة على إيصال كميات كبيرة من الكهرباء، وستسهم الطاقة النووية في تنويع إمدادات الطاقة في المملكة مع ضمان أمن الطاقة في المستقبل، بالإضافة لدعم التنمية الاقتصادية، وتوفير العديد من فرص العمل. وقال خرمي ان العديد من العوامل الجغرافية تؤثر في توزيع الإشعاع الشمسي على سطح الأرض ومنها طبيعة الغلاف الغازي والمواد العالقة به وتركيز أشعة الشمس أو الزاوية التي تصل بها أشعة الشمس إلى الأرض تبعاً للموقع بالنسبة لدوائر العرض وللفصول وطول المدة التي تسطع فيها الشمس فوق الأفق. ويتغير ذلك طبقاً للإشعاع الشمسي الواصل إلى سطح الأرض ويتأثر بعدة عوامل من أهمها ما يلي طبيعة الغلاف الغازي والمواد العالقة به، ويتوقف ذلك على سمك طبقة الهواء التي تخترقها الأشعة الشمسية مقدار ما يحتويه الغلاف الجوي من المواد العالقة وخاصة بخار الماء، الذي له قدرة على امتصاص قدر اكبر من الأشعة تحت الحمراء وقدرته على عكس جزاء مما يمتصه من شعاع الشمس في شكل إشعاع ذاتي نحو الأرض، مما يساعد على رفع درجة الحرارة وامتصاصه من الأشعة الحرارية التي يشعها تحت الأرض وتركيز أشعة الشمس أو الزاوية التي تصل بها أشعة الشمس إلى الأرض. إشعاع عامودي وأضاف الدكتور خرمي نلاحظ أن شعاعا يصل إلى سطح الأرض في زاوية مائلة تكون قوته اقل من إشعاع يصل عاموديا، وذلك لان الإشعاع المائل يخترق مسافة أطول في الغلاف الجوي فيفقد جزءاً اكبر من قوته بينما الإشعاع العامودي الذي يخترق مسافة اقصر يفقد جزاء وكذلك طول المدة التي تسطع فيها الشمس فوق الأفق، ويتغير ذلك من فصل إلى آخر وتبعاً للموقع بالنسبة لدوائر العرض، ومن هذا نستنتج ان كمية الحرارة التي تكتسبها الأرض أثناء النهار الطويل أكبر مما لو كان النهار قصيرا. وأوضح أن من العوامل التي تؤثر أيضا اختلاف صفاء الجو ونسبة الغيوم بالسماء، بحيث كلما كان الجو نظيفا خاليا من الدخان والغبار ساعد على وصول كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي والعكس ومن العوامل الأخرى المؤثرة في الإشعاع الشمسي الجبال والارتفاع عن سطح البحر والانحدار وغيره ومن هذا المنطلق تبدأ إسهامات الجغرافيين ومتخصصي نظم المعلومات الجغرافية في تحديد المواقع الأكثر ملاءمة لإقامة مدن الطاقة المتجددة مع الاخذ بعين الاعتبار القرب والبعد عن السواحل والمناطق المكتظة بالسكان والعوامل البيئية الأخرى المحيطة. وختم وكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية حديثه بقوله: «من المعروف أن المحطات والمفاعلات النووية تحتاج إلى تبريد، وبالتالي تستخدم لهذا الغرض كميات كبيرة من الماء وهذا ما جعل أغلبية المحطات النووية لتوليد الكهرباء تقام على شواطئ الأنهار أو البحيرات أو البحار، أي بالقرب من مصدر مائي». ولاشك أن المملكة العربية السعودية قد خطت خطوات جادة لإيجاد واستخدام الطاقة المستدامة، كما أن هناك طموحات كبيرة في إيجاد توازن بيئي، ومصادر آمنة للطاقة، قد تصبح في مستوى منافس لكثير من الدول المتقدمة. وفرة مصادر ووفقا لموقع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، فإن المملكة العربية السعودية تتميز بوفرة مصادر الطاقة الشمسية حيث تعتبر المملكة أحد أكثر المناطق ارتفاعًا في معدلات الإشعاع الشمسي في العالم. ولذلك فإن جزءًا كبيرًا من مقترح مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة يتقوم على تطوير تقنيات حديثة ونظيفة وذات تكلفة مُجدية اقتصادياً للطاقة الشمسية بهدف تلبية الاحتياج العالي خاصة في أشهر الصيف وذلك من خلال اقتراح انتاج ما مجموعه 41 جيجا واط بشكل تدريجي وحتى حلول عام 2032. وتشمل الدراسات المعنية بالطاقة الشمسية نوعين هما: الطاقة الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة. الطاقة الكهروضوئية تتكون الخلايا الكهروضوئية من ألواح شمسية تسمح بتحويل أشعة الشمس مباشرة لطاقة كهربائية، ويمكن جمع هذه الألواح في حقول تتصل مباشرة بشبكة الكهرباء الوطنية باستخدام عاكس لتُحوّل الطاقة الشمسية إلى تيار متردد ومتوافق مع الشبكة. الهدف الأساسي هو أن تقوم المدينة ببناء قدرة كهروضوئية كافية لإنتاج 16 جيجا واط بحلول عام 2032. تتمثل أهم فوائد الخلايا الكهروضوئية في بساطتها ومرونتها في البناء ودقتها المعتمدة وقلة مصاريفها بعد التشغيل ولذا تُوليها المملكة أهمية بالغة حيث يتمثل فيها جزء كبير من مصادر الطاقة البديلة. ولقد استخدمت مادة السيليكون البلوري في بناء الألواح الشمسية في الأعوام السابقة ولكن خلايا الرقائق الشمسية الآن تكتسح المجال وهو ما تطمح مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة للاشتراك في تطويره وصناعته بالاشتراك مع الشركاء المحليين والعالميين وفي نفس الوقت نقل الكفاءات التقنية والمهارات للشعب السعودي. الطاقة الشمسية المركزة المبدأ الأساس للطاقة الشمسية المركزة أو ما يسمى الطاقة الحرارية الشمسية هو استخدام أنظمة عاكسة لتوجيه الإشعاع الشمسي إلى جهاز مُستقبل يكون بالعادة واقعًا على قمة برج شمسي. ويتم تحويل الأشعة المُركزة إلى طاقة حرارية ليتم تحويلها إلى كهرباء باستخدام توربينات. ويمكن استخدامها لتحلية المياه وللتطبيقات الصناعية. ويسمح هذا النظام بتخزين الطاقة الحرارية كي تستخدم في توليد الطاقة ليلاً. مع أن الطاقة الشمسية المركزة لا تزال في طور النمو إلا أنها تتطور بسرعة ولذلك تتطلع المدينة وشركائها لبناء سوق جديد في هذا القطاع عن طريق النقل التقني والبحث وتطوير المنتجات الجديدة وتدريب الأيدي العاملة السعودية على أعلى مستويات الكفاءة. وتعتزم مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة تأسيس حقول من المرايا وأجهزة الاستقبال عبر مناطق المملكة لتطوير كفاءة التكلفة للعملية مع التطورات المتداخلة. وبحلول عام 2032 ستولد الطاقة الشمسية المُركزة ما يعادل 25 جيجا واط. بإنشاء الطاقة الشمسية وخاصة مصدر الطاقة الشمسية المركزة ستتاح فرص في السنوات المقبلة لإنشاء ما يشابه أنظمة الربط الموجودة في أفريقيا الشمالية والتي تسعى لتوليد طاقة لدول أوروبا في أشهر معينة من السنة. تؤكد دراسات أن الطاقة من النفط لن تسد حاجة الطلب المحلي توليد الطاقة المتجددة من الرياح للحفاظ على البيئة