لو سألتني عن أفظع كتاب قرأته في عام 1436هـ والذي انصرم لقلت لك فورا «كتاب المفهوم العام في التهليس» لصاحبه «البهلوان أبو زنيبة الحصيف» هذا الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كتبها شخص أو أشخاص ينطبق عليهم التعبير العصري القائل «كلام ما عليه جمرك» أي كلام يقال دون تمحيص وانتباه للإثارة.. يقوله شخص غير مسؤول أو غير مدرك ولن يناله أحد بعقاب لأنه غير مسؤول وغير مدرك.. وهؤلاء الأشخاص يمتازون بفكر ناصع نقي أبيض شفاف ولأن هذا الفكر ناصع وأبيض وشفاف فإنه يجعلهم يكتبون في أي شيء وعن أي شيء.. ينط في وجهك «سقراط» منهم بعموميات يشيب لها الغلمان ويولول الرجال لها والنسوان.. فالخدمات الصحية العامة في قعر بئر ليس لها قرار «إن تركوها» والقطاع الصحي الخاص قطيع من الخرفان ليس فيهم عالم ولا فهمان يرتقي إلى وزن حصيف الزمان الذي عمل في هذا الكيان أياما وأياما إلى أن انتقل إلى ما هو فيه الآن.. وعندما تطلب الأساس والبرهان يكون جوابك بيت شعر من سالف العصر والأوان وحكمة تليق بسياق الكلام من غياهب الزمان وتهمة على الطائر تلفق لك كجزء من حسن الجوار.. وهذه الظاهرة التهليسية يبدؤها مثل هؤلاء الكتاب بأنهم أشخاص غير متخصصين فيما سوف يطرقون لكنهم بكل شيء عارفون وعلى المصلحة العامة حريصون وهم كغيرهم متذوقون أو مستذوقون وهو مدخل متواضع يبدأ به معظم هؤلاء الكتاب مقالاتهم بعدما يستقرون على منصة الاستعراض وهذا يعني أنهم سيرقصون ويمرحون ويلعبون ويعبثون بمشاعر الغير ويصدرون أحكاما ويسيئون لخلق الله دون أن تنالهم قوانين القول.. فإذا انحرفوا عن قول الحقيقة دافعوا عن أنفسهم بأنهم ليسوا متخصصين، وفي الوقت الذي يبيح الكاتب منهم لنفسه الحديث عن كل شيء وفي كل شيء يستنفر الواحد منهم القبيلة والعشيرة وحتى من هم على كفالتهم في استخدام السلاح الأبيض والأسود والحديث والقديم فيما لو فكر غيرهم في الحديث عما يفترض أن تخصصوا فيه.. ومن وجهة نظري أن الشخص الذي يبدأ كلامه بأنه ليس متخصصا ليفتي في أمور متخصصة بحجة أنه متذوق في اعتقادي أنه ليس متخصصا ولا متذوقا بل هو بهلوان يوزع الإحباط بالتساوي على عباد الله الكادحين فالبهلوان لا يخضع للتحليل بقدر ما هو يستعرض وسائل التحايل ويكسب التصفيق !! ولقد تفوق هؤلاء الكتاب حتى على الحقائق العالمية في كون أكثر الفصائل ضجيجا حتى اليوم هي الخرفان وصخبا هي كلاب الشوارع ومرحا هي الدلافين ليتوجوا بهذا التفوق أن يصبح «أبو زنيبة» جامعا لك هذه الصفات بنقيقه و«النق» هو نصف النقيق وثلثي النقد «والنقيق» هو صوت الضفدع «والنقد» هو عمل غير متخصص إلا لمن تخصص له، والعلاقة بين النق والنقد غير المتخصص عضوية جدا فالضفدع ما يكاد يخرج من طور «أبو زنيبة» ويتلاشى ذيله أو ذنبه حتى يمتلك لحنا صوتيا مزعجا ممددا لا يغير فيه ولا يبدله ولا يطوره، بل قد يضيف إليه امتدادا أو يبتر جزءا منه لكنه يظل محافظا على اتساعه وعمقه ومجموعة ذبذباته.. وما زلت أتحدث عن الضفدع !!