لست متأكدا من حجم الأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية التي نجمت عن ظاهرة التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا، ولا أعرف ما إذا كانت كليات علم النفس وعلم الاجتماع والإعلام وأقسامها في جامعاتنا مدركة لحجم الآثار النفسية والعاطفية والذهنية والاجتماعية التي لحقت بالإنسان والمجتمع جراء التحولات الجذرية الناجمة عن ظاهرة التواصل الاجتماعي والهجرة الجماعية إلى عالم التواصل الاجتماعي، بما يفوق القدرات الذهنية والعاطفية والنفسية للإنسان الطبيعي أحيانا وبما يتجاوز إمكاناته العقلية والنفسية والعاطفية. إن المسافات التي طوتها وسائل التواصل الاجتماعي بين الفعل واللا فعل بلغت مداها من الخطورة على الإنسان وعلى المجتمع، فالناس ليسوا سواء بقدراتهم الذهنية والنفسية والعاطفية، وما يتحمله البعض نفسيا وذهنيا وعاطفيا من مشاهد صادمة وأخبار قاسية، لا يمكن أن يتحمله البعض وهو ما قد يجعلهم عرضة لقائمة ليست قصيرة من الأمراض النفسية والاجتماعية. كما أن كمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتي أوصلت البعض لمرحلة الإدمان بدون أدنى شك تستدعي قيام بعض الجهات بمسؤولياتها، فالممرضة في المشفى والطالب في قاعة المحاضرات والمسؤول في إدارته والمعلم في الصف والعامل في الميدان لا يتحملون دقيقتين حتى تمتد عيونهم وأيديهم لجهاز الهاتف لتقرأ أو لتكتب وتتفاعل مع المستجدات، على حساب التركيز في أداء عملهم الذي يقومون به، فالكل يشكو التشتت الذهني وعدم التركيز، خاصة أن هذا العالم الافتراضي ينقلك من السياسي إلى الاقتصادي إلى الأمني إلى العاطفي إلى الجنسي إلى الجريمة إلى الفضائحي إلى الشخصي سواء بالكلمة أو بالصوت والصورة. يجب ألا ننكر الفوائد الجمة التي جاءت بها وسائل التواصل الاجتماعي بقدراتها الهائلة والخارقة في تجاوز أغلب العقبات والصعوبات وأعتى الحواجز التي كانت حجر عثرة في وجه الكثيرين ممن كانوا يستميتون في صناعة مستقبلهم المهني ورؤية حاضرهم حتى تموضعت وسائل التواصل الاجتماعي في مكان ومكانة تضاهي الأسرة والمؤسسة التربوية والمهنية. كثير من الأطباء لا يخفون قلقهم المتزايد من الأمراض النفسية التي تلازم مرضاهم ولا يتم تشخيصها أو التعامل معها نفسيا، فمرض الاكتئاب النفسي يعد ثاني أكبر مرض في العالم وهو 48 نوعا من الأمراض ويقدر عدد المصابين بالاكتئاب بحوالى 130 مليون شخص مكتئب في العالم، فقد وجدت بعض الدراسات علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومرض الاكتئاب خاصة أولئك الذين يمضون وقتا طويلا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. فإحدى الدراسات وجدت أنه كلما زاد استخدام الشخص لوسائل التواصل الاجتماعي، زادت تعاسته وكآبته وقلة احترامه لذاته، فضلا عمن يشعرون بالتأنيب لأنفسهم لإضاعتهم وقتهم الثمين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على حساب أعمالهم الضرورية، وعلى حساب فترات النوم التي يحتاجون لها خلال اليوم. كما أن دراسة أخرى وجدت أن التغريدات التي ينشرها أصحابها في تويتر كافية للتعرف على مدى الاضطراب النفسي الذي يعانيه أصحاب تلك التغريدات على مدى فترة من الزمن. هناك تقصير واضح من أقسام الإعلام والاجتماع وعلم النفس وبعض الأقسام ذات الصلة في الجامعات السعودية والعربية بتبني دراسات مستمرة لحجم استخدام التواصل الاجتماعي في المجتمع والآثار الناجمة عن استخداماتها بين مختلف الأعمار من حيث الأوقات الطويلة التي يمضيها مستخدموها أو من حيث الأضرار النفسية والإعلامية والعاطفية الناجمة عن مضامين تلك الوسائل خاصة ما يتم تناقله وتكراره في «واتس أب» والذي يلعب دورا رئيسا في خلق ونقل الإشاعات والأخبار المغلوطة والصور المفبركة والتي تضر بالمجتمع والوطن في ظل ظروف وأحداث متسارعة ومتفاقمة تشهدها المملكة والمنطقة ككل. الجامعات السعودية أو بعضها مطالبة بإجراء دراسات نفسية واجتماعية وإعلامية دورية حول تأثير وآثار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كما أن شركات الاتصالات بأنواعها في المملكة مطالبة هي الأخرى بتخصيص جزء من ميزانياتها الإعلانية لتمويل تلك الدراسات بما يعود على المجتمع من فائدة جمة من تلك الدراسات، كما أن وزارة الثقافة والإعلام مطالبة بإيجاد إدارة مسؤولة عن دحض الإشاعات خاصة ذات المساس بالمصالح الحيوية وبفئات واسعة من المجتمع، إما بالرد عليها مباشرة حيثما نشرت وتصحيحها، أو بإيجاد آلية تسمح لمن يرغب بالتأكد من صحة ما ينشر. أخيرا، إن أقصر الطرق بين الواقع والخيال هو وسائل التواصل الاجتماعي، وإن أقصر الطرق بين المخاطر والفرص هو وسائل التواصل الاجتماعي، وإن أقصر المسافات بين الأزمنة والأمكنة هي وسائل التواصل الاجتماعي، وإن أقصر الطرق بين النجاح والفشل هو وسائل التواصل الاجتماعي، وإن أقصر الطرق بين الموت والحياة هو وسائل التواصل الاجتماعي.