أصبحت هناك قناعة مؤكدة لدى الكثيرين أن التشدد الذي أدى إلى ظهور جماعات وتنظيمات متطرفة هو في الأساس صنيعة سنية، ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى هذه القناعة ادعاء القاعدة وداعش أبرز تنظيمين متطرفين في عصرنا الراهن انتماءهما إلى مذهب أهل السنة والجماعة. هذه القناعة دفعت بالكثير إلى الترويج بأن مذاهب إسلامية أخرى هي أكثر اعتدالاً وأنها تمثل الوجه الحقيقي للإسلام، ومن تلك المذاهب- كما يروج البعض- المذهب الشيعي بنسخته الإيرانية.. فهل هذا صحيح؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من التأكيد على أن الإرهاب بمفهومه الشامل لا ينتمي إلى مذهب أو دين أو جنسية، فمن جماعة (أوم شنريكيو) في اليابان إلى (بابار خالسا) السيخية في الهند، ومن منظمة (كاخ الصهيونية) إلى (الجيش الجمهوري الإيرلندي) تتنوع أشكال التطرف وأسبابه وانتماءاته الدينية والعرقية أيضاً. كانت أول عملية معلنة للقاعدة خارج حدود أفغانستان عام 92 في عدن عندما قام التنظيم بقتل عامل فندق يمني وسائح استرالي في تفجيرين استهدفا كما يقول التنظيم فندقين يقيم فيهما جنود أميركيون. قبل هذا التاريخ شهدت المنطقة عدة عمليات (إرهابية) لم تكن القاعدة طرفا فيها بل إن معظمها حدث قبل تأسيس القاعدة في أفغانستان بسنوات واللافت في تلك العمليات انها استهدفت في معظمها دولتين خليجيتين، الكويت، والسعودية. في عام 83 شهدت الكويت سلسلة من التفجيرات التي استهدفت مصالح غربية وبنى تحتية كويتية، وكان من أبرز المتورطين في هذه التفجيرات جمال جعفر إبراهيم المعروف بأبي مهدي المهندس الذي يتولى حاليا منصب نائب رئيس هيئة قوات الحشد الشعبي التي تدعي محاربة داعش في العراق بدعم من إيران الذي هرب إليها المهندس مباشرة بعد تنفيذ عمليات الكويت. بعد ذلك بعامين تعرض أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الصباح لمحاولة اغتيال بعد تفجير موكبه بسيارة مفخخة، من أجل الضغط على الحكومة الكويتية للإفراج عن المتورطين في تفجيرات 82 وهو الأمر الذي تكرر في عام 88 عندما اختطف عماد مغنية - الذي تولى فيما بعد قيادة الذراع العسكرية لحزب الله اللبناني قبل اغتياله في دمشق- طائرة الجابرية الكويتية برفقة سبعة أشخاص والتوجه بها إلى مشهد الإيرانية من أجل التزود بالأسلحة والمتفجرات ومنها إلى قبرص حيث قام مغنية بقتل راكبين كويتيين وهدد بقتل جميع الركاب إذا لم يتم الافراج عن أعضاء التنظيم المعتقلين في الكويت وعلى رأسهم مصطفى بدر الدين أمين الذي كان يتخفى تحت اسم الياس فؤاد صعب والذي يعتقد بأنه من يقود مليشيا حزب الله في سورية الآن. في عام 86 افشلت السلطات السعودية تفجير المشاعر المقدسة بنحو 51 كيلو من مادة سي 4 شديدة التفجير حاولت إيران تهريبها في حقائب حجاج إيرانيين قادمين من أصفهان. وفي عام 89 اعتقلت المملكة عدة عناصر من تنظيم حزب الله الكويت بعد قيامهم بتنفيذ عمليتين إرهابيتين في موسم حج ذلك العام ما نتج عنه استشهاد حاج وإصابة ستة آخرين بجروح. وفي الخبر استهدف ما يعرف بحزب الله الحجاز بصهريج مفخخ مجمعا سكنيا يقيم فيه عدد من الجنود الأميركيين ما أدى إلى مقتل 19 شخصا وإصابة العشرات في حادثة عادت إلى السطح مجددا بعد نشر صحيفة واشنطن تايمز معلومات تتحدث عن إخفاء الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أدلة استخباراتية تؤكد تورط إيران في هذا الهجوم سعيا لتحسين العلاقة مع طهران في ذلك الوقت. ولعل تمكن الأجهزة الأمنية السعودية من اعتقال أحمد إبراهيم المغسل العقل المدبر لعملية الخبر بعد سنوات من التخفي في لبنان وإيران ستسهم في الكشف عن المزيد من التفاصيل حول العلاقة ما بين تلك التنظيمات التي تتغير تكتيكاتها ومسمياتها بتغير الظروف والأحداث. في الأخير.. لابد من التأكيد على أنه مهما تعددت المسميات والمذاهب لتلك الجماعات المتطرفة التي جلبت الخراب والدمار إلى عالمنا العربي فإن نقطة التقائها هي طهران والمصالح الإيرانية المشبوهة في المنطقة، وأن المقاومة والممانعة وشعارات الموت لأميركا وإسرائيل ما هي إلا مدخل لتبرير العمالة لهذا المد الفارسي الذي نواجهه اليوم.