أصبحت الرحلات المعروفة إلى قمة جبل إيفرست في الهيملايا بنيبال مزدحمة بشكل متزايد، ولكن يمكن للمرء أن يجد السلام بين الشلالات والزهور البرية، قريباً من ذلك المكان في كافة أنحاء جبل مانسولو، ثامن أعلى قمة في العالم. لو أنك اعتدت الذهاب في رحلة تسلق إلى جبال الهيملايا في كل عام تقريباً، أو أن التسلق المتطرّف على ارتفاعات شاهقة يجعلك تبدو متحمساً، فهذا يعني أنك تحب تركيز الوصول للقمم غير المطروقة سابقاً، أو في حالة إيفرست، فإنك تفضّل ريادة طريق جديد نحو القمة. المشكلة الوحيدة هي أن رحلات الهيملايا قد أصبحت ضحية لنجاحها، وأصبح الرحلة سيراً على الأقدام إلى معسكر قاعدة قمة إيفرست المشهورة رحلة برعاية الازدحام، وأصبح الطريق نفسه يستغرق الآن قدراً معتبراً من الجولة الدائرية المبتذلة حول أنابورنا، و تلك ليست هي فكرتي عن المرح. من ناحية أخرى، فلن تستطيع التخلي تماماً عن زيارة أكبر سلسلة جبلية على سطح الأرض، لذلك، عليك نزع ورقة من كتاب العقيد جيمي روبرتس، الذي اخترع عملياً الرحلات التجارية للتسلق في نيبال أواخر عقد الستينات من القرن الماضي، وتذكّر أن أفضل جزء من الرحلات الاستكشافية للتسلّق، هو في كثير من الأحيان السير على الأقدام إلى معسكر التخييم في قاعدة الجبل. فالرحلة الطويلة إلى الجبل، أو حتى الأفضل من ذلك حول الجبل، يمكن لها أن تكون مجزية مثلها مثل أي تسلّق، ولكن من غير كل ذلك الخطر والخوف والانزعاج الذي يحمله التسلّق. وعلى أية حال، سوف لن يكون لزاماً عليك التمسّك بالعلامات التجارية الأكثر وضوحاً: حيث إن هناك جبالاً أخرى غير إيفرست وأنابورنا. خذ عندك مانسولو مثلاً، ثامن أعلى قمم العالم، التي تنتصب إلى الشرق فقط من جبل أنابورنا. يمكنك رؤية مانسولو من فوق جبل آخر هو شيشابانغما، ويشقّ ال بوري غانداكي، أحد أطول وأعمق وديان نهر نيبال العظيم وأكثرها جمالاً، طريقه نحو قمة مانسولو، ونسبة لأن المنطقة قد فتحت أمام الأجانب قبل بضع سنوات، فيمكنك اغتنام الفرصة التي لاحت في الآونة الأخيرة للانضمام إلى مجموعة صغيرة في رحلة حول الجبل. تستمر الرحلة ثمانية عشر يوماً، وكل ما هو هناك يؤهلها لأن تكون رحلة مثالية، تقطع خلالها 180 ميلاً تقريباً، عبر مشاهد متنوّعة بشكل خيالي، حول واحد من أعظم جبال الأرض. ويكون تنظيم الرحلة نحو قمة مانسولو في العادة وفق أسلوب معيّن، مع فريق من الطباخين والحمالين من السكان المحليين ال تامانغ الذين يقطنون المنطقة، ويمكن لفريقكم خلال الرحلة، التوقف لفترة طويلة كل يوم لتناول وجبات الغداء المطبوخة على مهل، والتخييم للراحة في المساء، والذي يكون عادة باستئجار مساحة في حقل من أحد المزارعين مقابل بضع روبيات. ومع صيرورة جولة مانسولو الدائرية معروفة بشكل أكبر، تظهر حالياً المزيد من الفنادق والنزل على طول الطريق، ولكن التخييم المستقل يوفر متعة أكبر ويفرض قدراً أقل من الضغوط على موارد الغذاء والوقود المحلية. تبدأ الرحلة نحو مانسولو بشكل سليم من أروغات، ولكن القيادة إليها من العاصمة النيبالية كاتماندو تكون أقصر، وتستغرق الرحلة إلى العاصمة الملكية السابقة غورخا حوالي أربع ساعات. وميزة البدء من أروغات هو أنك تقوم بإدخال نفسك في جو الرحلة بلطف، نزولاً مع الاستمتاع بروعة المناظر الطبيعية للحياة المحلية، مع أشجار نخيل الموز وحقول الأرز المورقة، والكبار المشغولين بالعمل في الحقول، والأطفال الذين يمشون جيئة وذهاباً من المدارس وإليها. وفي اليوم الثالث يصل فريق الرحلة إلى أروغات، على ضفة بوري غانداكي النهر الذي سوف يكون مرافقكم الثابت خلال الأيام التسعة المقبلة، ولو أنك زرت المنطقة في شهر سبتمبر/أيلول فستكون الرياح الموسمية قد انتهت للتوّ، والنهر لا يزال في قمة هوجته العكرة بالطين والرواسب.. الضباب البارد فوق المياه يتعلق الضباب البارد فوق المياه، ولكن في معسكر التخييم الذي يقع تماماً بعد الضفة على ارتفاع أقل من 500 متر فوق سطح البحر، يكون الجو حاراً لدرجة أنه يمكنك النوم خارج كيس النوم في بعض الأحيان. وبعد يومين من ذلك، حينما تتسلقوا عبر الغابة تحت أشعة الشمس اللاهبة، فإنك سوف تشعر حتماً بالارتياح حين تقف لحمام بارد يضرب فروة الرأس تحت الشلالات التي تجدها تصب على طول الطريق نحو منبع بوري غانداكي، نزولاً على جانبي النهر، وهي ترتفع أحياناً في شكل أعمدة صلبة، بيضاء، مرعدة، أسفل جانب الوديان. وتشكّل الغيوم في أحيان أخرى قوس قزح على البخار الشفاف المنطلق من مصدر غير مرئي مرتفع في الأعلى، لتغذي حدائق الطحالب المعلقة المرصعة بجواهر البيغونيا الوردية. وحتى لشخص غير حاذق جداً في الاهتمام بالأزهار، فإن هذه رحلة من البهجة تتقدم بك تدريجياً سيراً على الأقدام، من خلال مناطق نباتية متنوّعة بشكل بديع. في اليوم الرابع من الرحلة تظهر أزهار الياسمين البري أولاً، ثم الورود، وزهور ال دافني في اليوم التالي، وبحلول اليوم السادس سوف تتسلّق عبر غابات معتدلة من خشب البلوط، والكرز، وأشجار الجوز الوردي، مع سجادة مكثفة من أزهار ال ديلفينيوم الأزرق. الناس كذلك يتغيّرون، مع إفساح الثقافة الهندوسية المجال للبوذية التبتية، وقد كانت قرى بوري غانداكي التي تطفو في الأغلب على المدرجات العالية فوق الخانق، معزولة تماماً حتى وقت قريب، أما الآن، وعلى الرغم من أن طريق السيارات لا يزال يبدو متلاشياً بالقرب من أروغات، فإنه قد تم تحسين الدرب القديم للسير على الأقدام، مع الجسور الفولاذية الرائعة التي أصبحت تغطي أجزاء الأنهر الكبيرة. كما أنه سيكون من الجيد كذلك العثور على بعض مدرجات السلالم الحجرية القديمة، التي لا تزال تتعرج بصورة غير محتملة عبر المنحدرات العالية فوق النهر. وعند الغسق في أحد الأيام، سيكون على أفراد الفريق القيام بقطع الشجيرات لنصب الخيام في مساحة نظيفة صغيرة على الأرض المستوية الوحيدة من عدة أميال حولها.. بوري غانداكي وقد يمنحكم ال بوري غانداكي شعوراً بالوحشة في بعض الأحيان، على النقيض من طرقات القرية المعبّدة بشكل جميل التي عبرتم خلالها قبل بضع ساعات، وسيكون السبيل الوحيد للخروج من الخانق في صباح اليوم التالي هو عبر السلالم المصنوعة من جذوع الأشجار المثلومة. وفي حين يجنح المتنزهون في منطقة إيفرست للتوجه إلى المطار في لوكلا لبدء رحلتهم من على ارتفاع يزيد على 3000 متر، فهنا وعلى النقيض من ذلك، تبدأ الرحلة بالهبوط سيراً على الأقدام إلى ارتفاع 500 متر، قبل التسلق على مراحل بطيئة للأعلى عبر الخانق. وعلى المستوى العملي المحض، يكون هذا مثالياً للتأقلم، حيث لا يمثل الارتفاع ببساطة مشكلة في هذه الرحلة، كما إن هناك أيضاً فوائد جمالية، وسوف تحب أسوار الخضرة التي تكتنف جدران الخانق، لتعطي إحساساً بالأسرار الغامضة، التي قد تكون محجوبة خلفها. وبصرف النظر عن ذلك المنظر البعيد المختصر ل مانسولو الذي يمكنكم رؤيته من معسكر التخييم الأول بالقرب من غورخا، حيث لا يمكن رؤية القمم الثلجية بوضوح، فبعد ذلك، وعند قرية لهو يظهر مانسولو في النهاية مرة أخرى، مع كثير من التأثير المسرحي المصاحب، حيث يكون الآن تقريباً فوقكم مباشرة، وهو يبدو مرتفعاً لدرجة الاستحالة، مثل ناب أبيض يلمع في سماء بزرقة الاردواز قبل أن يتلاشى مجدداً بين السحب. وبتشجيع من تلك النظرة المحيرة، يكون وصولكم إلى القرية التالية سما. وسيكون عليكم الخوض خلال الشوارع الموحلة بسبب الأمطار، والتي تشبه موقع تصوير فيلم عن القرون الوسطى، ولكن ستكون مكافأتكم في اليوم التالي مع الفجر الشفاف، حيث يتدفق الضوء نزولاً على الجانب الشرقي من جبل مانسولو، ليشرق بإيقاع سريع من البرتقالي إلى الأبيض الساطع. وفي الوقت الذي تكونون فيه تتناولون طعام الإفطار، تحلق على ارتفاع منخفض مجموعة من طيور الطيطوي خضراء الساق التي تصرخ أعلى من الهداهد، والغربان، والغربان العصماء، في حين تقوم النسور الجلحاء المذهلة بالتحليق على ارتفاعات عالية، وتحوم في دوريات فوق أعالي التلال. المطر ثلوجعلى ارتفاع 4470 متراً يتحول المطر على ارتفاع 4470 متراً إلى ثلوج، وإذا تأخرتم كثيراً في عبور الممر فقد تعيقكم الثلوج الكثيفة فعلاً عن المرور، وعندها يكون السبيل الوحيد الآخر المتاح هو العودة عبر كامل الطريق نزولاً عبر ال بوري غانداكي، وفي النهاية يكون الحماس من الحمالين، وانفراجة طفيفة بين السحب، هي التي ترجح قرار المضي مع بزوغ الشمس. وتجعل الثلوج الطازجة المشي على الروابي الحجرية صعباً، لا سيما بالنسبة للحمالين الصغار المتمرسين من ال تامانغ. يتجه القسم الأخير من الرحلة حول مانسولو جنوباً، نزولاً عبر وادي مارسيانغدي إلى قرية فولفيولي، ويعقبه المشي لمدة يومين مع طوفان الحركة الإنسانية الغامرة المتجهة شمالاً حول دائرة انابورنا، مع الإحساس بقليل من الانحدار. عليك في نيبال أن تعجب من الطاقة والمشاريع ومحض البهجة والترحيب من قبل السكان المحليين. ضوء الخريف بعد 10 أيام من الذهاب، يكون يوم الراحة فرصة للاسترخاء والاستمتاع بضوء الخريف، حيث يصبح الوادي مفتوحاً الآن، وللمرة الأولى يمكنكم النظر إلى الخلف نحو قمم غانيش خومبو، وعند وصولكم في اليوم التالي إلى سامدو، يتحسن المنظر أكثر وأكثر. سامدو هي آخر قرية نيبالية على الطريق التجاري القديم إلى التبت. وبينما تشاهد من حولك عشرات من حيوان الياك محملة بقطع الأخشاب المقطوعة حديثاً تتجه نحو الممر الذي يصل إلى الأرض الخالية من الأشجار في الشمال، لا يسعك إلا أن تتساءل: حتى متى يمكن لغابات بوري غانداكي المحافظة على هذا الحصاد؟ ويبدو الطريق بالنسبة للسياح منحنياً ليميل نحو الغرب، على بعد قليل فقط من الحدود ليبقى ضمن الأراضي النيبالية وهو في طريقه فوق الـ لاركايا لا، الممر الذي يرتفع لـ 5135 متراً وهو أعلى نقاط الرحلة. يكون مكان المعسكر النهائي قبل الممر في مرج إلى القرب من نزل لاراكايا المسمى بالفأل على المكان، وهو عبارة عن كوخ من الحجر الخام حيث يمكن للطباخين الرائعين أن يعدّوا لكم الحساء أو الشوربة الساخنة لوجبة الغداء، قبل أن يتلوها عشاءً كاملاً من ثلاثة أطباق.