قال الطفل ذو الحذاء الجديد، للطفلة القادمة مع الأطفال: (ارجعي، وإلا.. رجمتك بالحجارة). اختصرت كثيراً من خطواتها.. سبقها الأطفال إلى البقال. نظر الطفل ذو الحذاء الجديد إلى الخلف، ولمحها: تضع خطوة قصيرة إلى الأمام.. ثم تقف مدة خطوة، وتنظر إليه من بعيد.. بخوف وتحد، وانهزام. * * * نظرت الطفلة إلى رؤوس أصابع قدميها.. كانت تحسب مدة الخطوات القادمة.. وفجأة رأت حجراً صغيراً، يهرول على مهل أمامها!. قال الطفل ذو الحذاء الجديد: (ارجعي.. ما عندك فلوس). عضت الطفلة على رأس سبابتها، بقليل من الغضب.. ساحت على ظفرها دفقة لزجة من اللعاب. استنشقت السائل المتهدل من أنفها.. بصوت يشبه حفيف أوراق الشجر.. قالت بصوت متردد: (ما أبغى فلوس.. ما أبغى اشتري.. أبغى حلاوة). كان الأطفال الباقون، قد تجمعوا كأصابع طفل، أمام باب البقالة. لحق بهم الطفل ذو الحذاء الجديد.. زاحمهم.. فرقهم بقوة سرعته، ثم التفت إلى الخلف البعيد، وصاح بالطفلة: (لو دخلتِ.. ضربتك، ضربتك، ضربتك، هيا ارجعي). * * * عندما تجمع الأطفال، حول طاولة الحلوى.. بأشكالها الزاهية، أطلت الطفلة من الباب برأسها المنكوش كالفراشة، وتسللت منها عبارة صغيرة.. لدنة كحجم شفتها السفلى: (ما أبغى تعطوني شيء.. أبغى أقعد معكم). تضاحك الأطفال.. جميعهم صنعوا ضحكة واحدة.. محشوة بالسخرية، وبالتهديد وبالخوف. أشاروا إلى الطفل ذي الحذاء الجديد.. أن يتصرف. * * * كان الخوف يركض بقسوة داخل قلب الطفلة.. وكانت هناك حرقة دافقة وطافحة بالفزع، وتمددت إلى قدميها.. كانت تجري، كنسمة مبعثرة دون أن تلتفت. اختفت خلف سيارة فخمة.. لم تكن الحجارة الصغيرة تتوقف.. كانت تنسج وقعاً يتناثر على طول الطريق العائدة منها. أعلن المؤذن لصلاة العصر.. كان صرير باب البقالة، الذي يشبه ستارة من حديد.. يملأ كل الآذان الصغيرة الواقفة. * * * اطمأنت الطفلة، أن البقال يقفل على كل أشكال الحلوى.. ولا يقبل الفلوس، إلا بعد انتهاء الصلاة. وقفت.. كنبتة طرية تهزها الرياح. التفتت، ولم تر أحداً. واختفت بين زحام السيارات في الشارع الموازي.