عاد شبابنا بنون وإناثاً الأسبوع المنصرم إلى محاضن تعليمهم في المدارس والجامعات في أنباء تقرع آذانهم وعقولهم عما تفعله داعش، ومن غُرر بهم وجُندوا لها، وفعلوا أفاعيلهم النكراء، في نواحٍ مختلفة من الوطن فلقي بعضهم مصارعه، وبقي البعض الآخر في قبضة العدالة وأصبحوا يعلمون علم اليقين أن الأمن في بلادنا العزيزة حاجز منيع ضدهم، وأصبح كل هذا يتطلب صحوة من هذه المحاضن تجاه التنوير ضد أفكارهم المنحرفة، وتجاه الوعي بقيم الدين الحنيف التي تجرأ عليها هؤلاء. وأصبح أمام هذه المحاضن مسؤوليات جسام تجاه تعزيز القيم الإسلامية في نفوس شبابنا تلك القيم التي تعزز القيم الإنسانية، وتنشر مبادئ الحب والسلام، وتظهر براءة الإسلام من سفك الدم الحرام، وانتهاك العرض والمال، والتمرد على الوالدين وقيم المجتمع، وقيم المواطنة، والنيل من ظلال الرحمة والحب والسلام التي زرعها الإسلام وكتابه الكريم في العلاقات بين الكبير والصغير وذوي الأرحام والقربى، وأصحاب العهود والمواثيق، وهذا يتطلب من هذه المحاضن مراجعة استراتيجياتها ومناهجها ورسم استراتيجيات وآليات لهذا التحصين، لتتحول عناوين هذه القيم إلى منطلقات وظلال لكل استراتيجية وآلية لتنفيذها، فتمتلئ الأنشطة بالتوعية بحرمة النفس الإنسانية، وضرورة عمارة الأرض، وتحقيق الاستخلاف الإنساني فيها، واحترام منجز هذا الاستخلاف من عمارة، وفنون، ورموز تاريخية. ومثل هذا يعيد ثقة لهذه المحاضن أصبحت في مهب الريح؛ إذ إن كلية للطب يخرج منها من يفترض أنه تعلم كيفية الحفاظ على حياة الإنسان حتى آخر نفس مما كُتب له في هذه الحياة، فنراه حاملاً للسلاح ويزهق الأرواح، مثل هذه الكلية كيف نأمن من يتعلم فيها على حياتنا في حال المرض والجروح، وإصابات من نالهم الجرح وهم يذودون عن الوطن أو يواجهون داعش؟! وكيف نثق في كلية شريعة أو تربية خرج منها من يحمل السلاح على المسلمين وبعضهم أقاربه أو رجال أمن؟؟. إن مثل هذا يجعل المراجعة في اشتغالات هذه المحاضن ضرورة ملحة. ومما يرتبط بهذا أيضاً ضرورة مراجعة اشتغالات محاضن أخرى في تحفيظ القرآن، ومراكز الحي، ومنابر الجمعة؛ من يحفظ القرآن الكريم ويتأبط السلاح لقتل مسلم هدراً فهو خائن لجلال ومبادئ وخطاب النص الذي حفظه، والقائم على التحفيظ الذي يخرج من حلقته دواعش أو إرهابيين على أي نحو كان لا يؤتمن على رقع بنشر سيارة!! والمناصحون الذين حافظوا على رزة البشت ورونق الابتسامة يبدو أن ذلك شغلهم عن أمانتهم فعاد من استلموا مناصحتهم إلى ما كانوا عليه، أما منابر الجمعة فعلى الرغم من مضي مالا يقل عن ثلاثة أشهر من تفجير أول مسجد في القديح، وأكثر من عشر سنوات على عمليات الإرهاب، فهم غائبون عن المشهد، فلا خطب عن الفتن التي تظللت بالجهاد، ولا خطب عن عصمة الدم، ولا خطب عن بر الوالدين، ولا خطب رعاية الأسر لأبنائها، ولا خطب عن أمانة التربية والتعليم.