علاء الدين عرنوس-ريف دمشق حمَلت ريهام "الأمانة" وتوجهت إلى تاجرٍ من معارف أبيها كما تفعل كل شهر للحصول على أفضل سعر صرف ممكن. لم تكن الأمانة التي وصلت مبكراً هذا الشهر سوى مائة دولار أرسلها الشقيق الأكبر لريهام الشابة التي تستعد لإنهاء سنتها الأخيرة في كلية الآداب بجامعة دمشق، وبالمطلق، لم تكن ريهام في وارد التعرض لاحتجازٍ دام أربع ساعات لحيازتها عملةً أجنبية في دمشق. ريهام (اسم مستعار) شابة كردية طالبة كلية الآداب بجامعة دمشق، تكيفت -كما فعلت الكثيرات- مع ظروف الحرب لتنهي دراستها بسلام رغم القيود التي تحكم سكان دمشق، وعلى حد تعبيرها فإن "الوضع بات يقود للجنون، كان حرياً بي أن أهاجر كما فعل أخوتي، إنهم يسلبوننا كل شيء". تقول ريهام -بعد أن أنهت صفقة اعتقالها القصير بالتخلي عن المال لرجل الأمن- إنها لم تتورط في أي وقت بنقل الأموال أو المضاربة بالعملات، فكل ما فعلته أنها أرادت صرف الحوالة التي اعتادت وصولها مطلع كل شهر من أخيها المقيم في الخارج. وتضيف ريهام "حين تتجول في أسواق دمشق، وترى شركات الصرافة قائمةً وتمارس أعمالها لن يخالجك شك بأن الوضع على ما يرام، ما نراه ليس أكثر من صورة خادعة، كثيرون اعتقلوا على أبواب شركات الصرافة". كثير من السوريين يتجنبون التعامل مع محلات الصرافة خشية الاعتقال أو المساءلة(الجزيرة) تهمة جاهزة كما الحال مع ريهام، يفضل الكثير من المواطنين تحويل عملاتهم عن طريق المعارف الشخصيين والتجار المقربين، ووفقاً لشهادات مواطنين فإن الأمر مقتصر على المدنيين المنحدرين من مناطق ثائرة، فالتهمة الجاهزة بنقل الأموال للإرهابيين، هي آخر ما يتمناه مواطن سوري يعيش في دمشق بأمانٍ نسبي. لا أحد يعلم على وجه الدقة، كم يبلغ حجم العملات الأجنبية التي تصادر من المواطنين على هذا النحو، لكن شهادات ناشطين للجزيرة نت أشارت إلى أرقام ضخمة، تصل إلى مناطق المعارضة على شكل مساعدات ورواتب تعرضت للمصادرة فضلاً عن اعتقال وملاحقة دائمة للناشطين في مجال نقل الأموال. ومع اعتماد عشرات الأسر على أقارب معيلين لهم في الخارج، فإن التجار الصغار وزبائن تجارة الجملة أيضا مجبرون على تسديد ثمن بضاعتهم بـالدولار واليورو لتفادي سعر الصرف المتراجع، وغالباً ما يواجهون نفس المخاوف جراء حيازة عملات أجنبية. رغم امتناع المواطنين المعارضين لحكم الأسد عن حيازة أو نقل مبالغ كبيرة، فإن تهمة حيازة العملات الأجنبية لمساعدة المسلحين تعني نهايةً صعبة تتمثل بالخضوع لمحكمة الإرهاب، وفي روايات لمعتقلين سابقين تحدثوا للجزيرة نت، تؤكد أن عمليات اعتقال حدثت لحيازة أفراد من مناطق تعارض النظام عملات أجنبية. كثير من السوريين يعتمدون على تجار الشنطة لاستلام وتبديل العملات خشيةالتضييق الأمني(الجزيرة) تجار الشنطة يقول عمار أحمد -وهو ناشط مدني بريف دمشق- للجزيرة نت "لقد فقدنا عشرات المتطوعين لنقل الأموال خلال الثورة، تلك الأموال التي كان يجب أن تصل لمستحقيها تعرضت للسلب وشكلت ثروة جاءت على طبق من فضة لعناصر أمن صغار مكنتهم مراكز عملهم من السطو عليها". ويضيف عمار "سواء كان المبلغ عشرة آلاف أو مئة دولار فإنه يشكل دليل إدانة لحامله، بكل الأحوال تقتصر هذه الإجراءات على المعارضين وسكان البلدات غير المؤيدة للأسد". كجزء من الحل، بات اعتماد أغلب السكان والناشطين على "تجار الشنطة" المرتبطين بمكاتب ومؤسسات تجارية تملك رأس المال في البلدان المجاورة مقابل عمولات تصل إلى9% على المبالغ المحولة بمعزل عن حجمها أو سعر الصرف الذي تساويه. لكن هذه الحلول -وفقاً لعمار أحمد- لا تشكل حلاً جذرياً -حسب قوله- إذ يرى أن "تحويل العملات ونقلها بهذا الشكل يعني فعلياً ضخ المزيد من القطع الأجنبي بيد تجار النظام التي تمكنهم من الاستيراد بالقطع الأجنبي الذي خاطر بتأمينه وسطاء ومتطوعون".