أسفرت عملية الموت الأخيرة التي شنها تحالف من الجيش والشرطة والمليشيات القبلية ومتطوعين في ليبيا، بهدف سحق متشددي تنظيم داعش وإخراجه من معاقله، عن معارك شرسة وسيل من الإصابات المتفاوتة. وأصبحت العملية في نظر معظم المواطنين قيد النسيان، وأساء المجتمع الدولي تفسيرها. وفيما تناقش حكومتا ليبيا المتنافستان، أي المعترف بها دولياً ومركزها طبرق والأخرى في العاصمة طرابلس، المسودة النهائية لخطة سلام بوساطة الأمم المتحدة، تسيطر على بنغازي أجواء من الشك وعدم الثقة، حيث يعتقد الناس أن محادثات الأمم المتحدة أعطت غطاءً شرعياً للمتشددين في طرابلس، المتهمين بدعم مقاتلي بنغازي. ووجه وزير الثقافة والإعلام في حكومة طبرق، أخيراً، انتقادات قاسية للبحرية الأميركية المتمركزة قبالة الشواطئ الليبية دون أن تتصدى لـ داعش، واتهم إسرائيل بمدها المتطرفين بالسلاح، مثيراً موجةً من تصفيق الحضور، بمجرد ذكر مهندس عملية الموت الفريق خليفة حفتر. ويعتبر حفتر الشخصية السياسية العسكرية الأقوى والأكثر استقطاباً في ليبيا، وسبق أن قاد عام 2014 عملية الكرامة لطرد المتشددين من بنغازي وإنهاء موجة العنف والاغتيالات. إلا أن حفتر لم يتوقف عند هذا الحد، فحاول جرّ فتيل الحرب إلى طرابلس والإطاحة بالحكومة وفصائل المتشددين، في تهديد ساهم بتقسيم البلاد، ودفع المؤيدين للتساؤل عما إذا كان حفتر قد تمادى في تصنيف المقاتلين المعتدلين ضمن فئة المتشددين. وقد أحدثت حرب حفتر بعض التغييرات الواضحة في بنغازي، لناحية عدد الاغتيالات التي تراجعت دراماتيكياً، واستتباب الأمن نسبياً. أما على نحو خاص أكثر، فيشعر الناس بالقلق إزاء الضريبة التي تدفعها الديمقراطية مقابل الأمن، سيما بعد أن منع أحد الموالين لمليشيا حفتر، أخيراً، رئيس الوزراء من مغادرة البلاد. وبدا أن تحديد موعد إطلاق عملية الموت بالتزامن مع موعد الأمم المتحدة لتشكيل حكومة الوحدة يهدف لتعطيل المحادثات. ويتواصل العنف في هذه الأثناء، حيث تسقط الصواريخ والقذائف المدفعية على محيط المطار، بينما يحلق الطيران الحربي في الأجواء. وتبقى المدارس والجامعات في ظل اكتظاظها باللاجئين. ويستمر انقطاع الكهرباء، فيما يقول الجيش إنه يواجه عدواً متعصباً ومخادعاً معززاً بعناصر أجنبية وشحنات أسلحة من مصراته الحليفة لحكومة طرابلس. إلا أن الوقت يمر، والموفدون من كلا الجانبين الساعون إلى قرار حول حكومة جديدة يخاطرون، إذا فشلوا، بتقسيم ليبيا بين تيارين متوازيي الانعكاس الكارثي، فإما التشرذم والتشدد، أو الاتجاه نحو السلطوية والاستبداد. وقد برزت بعض الاقتراحات الخاصة التي ترجح اعتماد أميركا سياسة الاحتواء وتنفيذ عمليات مضادة للإرهاب محددة الأهداف، وفي حين أن هذه الخطوة قد تبطئ تمدد داعش في ليبيا على المدى القريب، إلا أنها لا تساهم كثيراً في بناء مستقبل مستدام يستحقه مواطنو بنغازي المحاصرين وبقية الليبيين.