د.مقرن الخياط نحتاج للأكسجين لاستمرار الحياة، وأصل ذلك أن الخلايا في الجسم لا تستطيع القيام بوظائفها إلا بوجود الطاقة، فكما لن تتحرك السيارة بدون وقود، كذلك الخلايا تموت إذا انعدمت الطاقة، وتكمن أهمية الأكسجين الأساسية في أنه يسهم في إنتاج مركبات الطاقة داخل الخلية، خصوصاً في المياتوكندريا وهي إحدى العضيات الموجودة داخل الخلية، ثم تستخدم هذه الطاقة في حركات الخلية ونبضات القلب وانقباض العضلات والهضم وحتى التفكير والتذكر داخل الجهاز العصبي. الطاقة أساس استمرار الحياة في جسم الإنسان، بها تنتقل الهرمونات من مكان لآخر، وبها يتحرك الدم في الأوعية، وبها تخرج السموم وتنقى، وبها نحارب الجراثيم والميكروبات الخارجية، وبها تعمل كل الأعضاء، وبدون الأكسجين لا تنتج الطاقة بالكمية المطلوبة، ولهذا نموت عندما لا نستطيع التنفس. هكذا هو الأكسجين، لا حياة بدونه، لذا قد خلق الله لنا جهازاً كاملاً من أجل إمداد الجسم بما يحتاج إليه من هذا الغاز الثمين، يبدأ من الأنف ويمر بالتجاويف وينزل للقصبة والشعيرات الهوائية داخل الرئة، وقفص صدري يحرك عضلات الصدر، وجهاز تحكم خاص في المخ يعطي الأوامر وينظم التنفس. حتى لو كان يوجد الأكسجين في الأرض والهواء في كل مكان فهو ثمين، ولا يعني توافر الأشياء بكثرة وبسهولة أنها أقل أهمية من غيرها، وكثير من النعم نغدو فيها ليلاً ونهاراً دون أن نشعر بها. يوجد حولنا دائماً ملايين الذرات من الأكسجين، الذي نتنفس منه عشرات الليترات في اليوم ونحن لا نشعر ولا ندري بأهميته، ولا نستغني عنه في لحظة واحدة، «وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به مَنْ نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم»، هكذا وصف الله القرآن، روحاً للحياة، وروحاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وللمؤمنين إلى قيام الساعة، وعندما يُفقد فإن الحياة تتوقف كما تتوقف حركة الخلايا داخل الجسم عندما ينتهي الأكسجين ويتعطل عن الوصول إليها ليست العبرة أن تحيا بأكل وشرب ومال وجمال ومسكن، ثم تنسى قلبك وتبتعد عن ربك، روحك التي بين جنبيك تحتاج دائماً لتجدد طاقتها وتتصل بالملكوت الأعلى، لأن ربها هو الذي خلقها ويعلم ما ينفعها ويمدها بعونه الذي تحتاج إليه في كل وقت وحين. فكما يدخل الأكسجين لجسمك، فلا تنسى أن تجدد إيمانك، وتقرأ كتاب ربك وتتمعن في معانيه لتستقي من رَوحه وريحانه ما يشتت همومك، ويثبت جنانك، ويطمئن فؤادك، ويسعد قلبك، ويبعثك على الأمل في ليالي الدنيا وأيامها. وعندما تبدأ في تنفس عبق الروح، وتذوق حلاوة الإيمان، فستعرف أنك لا تستغني عن هذا الهواء النقي من أجل أن تمضي في طريق الحياة، لتنتج وتتحرك وتتفاعل وتتواصل بمَنْ حولك، تغشاك الرحمة، وتتنزل عليك السكينة، وتحفك الملائكة، ويذكرك الله فيمن عنده.