كل الأوقات لديه تحمل تفاصيل ما هي عليه. ولا تنوء بما هو أكثر مما في الصورة، أو ما ستأتي به الأيام ولو من غرائبها. هو الآخر، والآخر هو، يعثر على ذاته داخل ذاته، وإن وجدها لدى الآخر فلا اختلاف في الأمر..! "الحمد لله أنا احسن من غيري" ترد عليه "ألف حمد وشكر" ولكن ألا تريد أن تتقدم وتطرق الأبواب المغلقة وتحصل على ما تستحقه؟ ثمة أبواب بإمكانك أن تفتحها وتدخل إليها، ثمة حياة أخرى صاخبة حياة حقيقية من الممكن أن تستبدل بها حياتك الميتة. يتأمل الأفق المفتوح مختصا بقراءته ويعلق بهدوء: (انا أعيش الحياة، وأحتضن عالمي، ولا أريد عالما آخر، أنا الشخص الرئيسي لديّ، فلماذا أكون ثانويا لدى الآخرين؟ أو داخل تلك الحياة التي لا أعرفها؟ السماء من فوقي، والأرض تحت قدمي، فماذا أريد أكثر من ذلك)..! تحاول جداله عن مدى الرؤية التي يراها، عن المدى المتسع أمامه وهل يحسن رؤيته؟ عن كرة الثلج الكبيرة والقاسية والتي إن ذابت مياهها فقد تغرقه، عن ذلك المنبر المفتوح وهو لا يراه وكيف يستطيع أن يقول ما لديه على منصته..! تعرف أنه يصدق كل شيء، ويتماهى مع أي شيء، ويرتوي بملامح أي صورة حتى وإن كانت مخادعة..! تحدثه عن الظلام وماذا سيفعل إن داهمه؟ قبل أن تردف بسؤال آخر يجيبك إن النور كما ترى يُغرق المكان..! تحدثه عن الظلام الذي لا يمكن ان يراه أو يرى داخله، تشتكي له من سلبية البعض وتفننهم في تهميش أنفسهم، والخروج من المشهد، وكأنما المدينة قد غادرت وأقفلت أبوابها..! يتهمك بأنك تبالغ في تفسيرك، "للهامشيين"وليس المقصود من همشهم المجتمع ولكن من همشوا أنفسهم عمدا وبإرادتهم..! تشعر بأنك ربما نجحت في إخراجه من طقسه البارد، تحاول تعديل المفردة قائلا: أقصد "السلبيين"ولا أقصد الهامشيين، وهم تلك الفئة التي توافق فقط، ولا تريد أن تعترض على أي شيء، ولا تجرؤ على الاعتراض حتى وإن كان لديها حق، في العمل، في المنزل، في الشارع، في إطار العائلة، "السلبي" هو من اعتاد أن يؤثر السلامة وعدم المواجهة خوفا من التصادم مع الآخرين، مضحياً بحقه لأنه يعتقد أن إبداء رأيه سوف يؤول عليه بكوارث لا قدرة له على تحملها، ولذلك هو مع كل شيء، وليس ضد شيء، لا يعترض رغم أنه له حق الاعتراض، ولا يبادر رغم قدرته على المبادرة إن أراد، فقط يتفرغ لإرضاء الآخرين، والتصديق على ما يقولونه، راضياً بعالمه معتقداً انه ليس هناك عالم أفضل منه، وأنه لو غادر دائرته سيخطئ، وسوف يصطدم بالآخر، وبذلك الأفق المغلق، والحياة لا تستحق المجازفات! .. يبتسم بهدوء.. ويغادرك.. وتتنفس أنت بغيظ بعدأن عجزت عن أن تقرأ على ملامحه اي شيء، أو ما يدفعك لمواصلة الحديث.. غادر بعد ان أفرغت جيوبك من محتواها.. ولم يبق لك سوى ذلك الافق ممتداً.. مسطحاً.. ليس فيه سوى مدى آخر عليك أن تفتش داخله.. وتواصل السير.. ولا تشتكي من طول الطريق..!!