كشف خبراء وقادة عسكريون اجتمعوا هذا الأسبوع في مؤتمر «قوة المستقبل» في العاصمة الهولندية أمستردام عن تصاعد القلق لدى المسؤولين الأوروبيين من تحول اهتمام الولايات المتحدة عن القارة نحو آسيا مما سيؤثر على قدرات الدول الأوروبية عسكرياً بخاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية فيها مما يؤثر على قدرتها في التدخل العسكري دولياً لحماية مصالحها. ودعى وزير خارجية هولندا فرانس تيمرمانس الدول الأوروبية الى توحيد جيوشها ضمن عمليات دمج منظمة تمكن القارة من امتلاك جيش قوي يستطيع حماية مصالحها. وقال تيمرمانس بأنه قد «آن الأوان للدول الأوروبية بأن تنتقل من مرحلة التعاون العسكري الى دمج قواتها... فهذه هي الطريقة الوحيدة للتعويض عن تقليص أميركا لوجودها العسكري في أوروبا». وأشار تيمرمانس الى أن التهديد الأساسي للغرب مستقبلاً سيكون من القوى الصاعدة، بخاصة في آسيا، والتي تزداد حاجتها للمواد الأولية والطاقة مما سيضعها في موقع التصادم مع قوى الغرب. ووافق ممثل وزير الدفاع الأميركي في أوروبا روبرت بل على تصريحات تيمرمانس وأضاف بأن واشنطن تحاول اليوم اعادة توزيع قواتها بما يتوافق مع أولوياتها الجديدة وتقلص قوتها المالية. وقال بل إن القوات المسلحة الأميركية المنتشرة حول العالم تتنافس اليوم على موازنة تتناقص سنوياً للمحافظة على قدرتها على تنفيذ مهماتها، وعليه فإن مع ازدياد اهتمام أميركا بآسيا فإنه من البديهي أن يتحول التركيز أكثر على القوات الأميركية المنتشرة في المحيطين الهندي والباسيفك. ولذلك، أضاف بل، «على الدول الأوروبية أن تستعد للاعتماد على نفسها بشكل أكبر». ولقد أدى العجز المالي في أوروبا وأميركا الى تقليص القدرات العسكرية في كل منهما الى مستوى أدى الى أنتهاء مرحلة التدخلات العسكرية الغربية في أماكن عدة من العالم والتي انطلقت عند انتهاء الحرب الباردة عام 1990، وذلك حسب كبير الباحثين الاستراتيجين الاسرائيليين مارتن فان كريفلد. وقال فان كريفلد إن قرار البرلمان البريطاني برفض طلب حكومته التدخل العسكري في سورية أنهى عصر التدخلات العسكرية الغربية الذي طغى على السياسة الدولية خلال عقدين. ووفق غويثيان برنس، بروفسور دراسات الحروب في جامعة باكنغهام وعضو مجموعة المستشارين الاستراتيجيين لقيادة الأركان البريطانية، فإن القوى الغربية تحكمها اليوم أضعف حكومات وقيادات سياسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا في حين حذر البروفسور جوليان ليندلي-فرنش، الكاتب والمؤرخ العسكري البريطاني ومستشار رئاسة الأركان البريطانية، من تغاضي المسؤولين الأوروبيين عن أهمية تأمين الدعم المالي لقواتهم المسلحة ودعاهم لإصدار تشريعات ترفع العوائق من أمام دمج جيوشهم مع بعضها لتمكينها من مواجهة تحديات المستقبل. وأشار الى ان هناك مبالغة من جانب الاعلام في تصوير مدى ضعف الغرب ومدى قوة القوى الصاعدة، اذ أن الغرب لا يزال حتى الآن القوى الأكبر عسكرياً. لكن هذا لن يدوم أن لم يتخذ القادة الأوروبيين خطوات عاجلة لتوحيد قواتهم العسكرية. وما لم يقله الوزير الهولندي بشكل علني تحدث عنه مدير مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية روب دي وييك اذ قال إن واشنطن والعواصم الأوروبية قلقة جداً من الخطوات التي تقوم بها الصين بتوسيع سيطرتها على الممرات المائية وذلك عبر انشاء مناطق دفاع جوي فوق جزر متنازع عليها وتطويرها صواريخ جوالة مضادة للسفن يبلغ مداها حتى 1500 كلم مما يهدد الملاحة في مساحات كبيرة في المحيطين الهندي والباسيفك. وأضاف بأن النزاعات المستقبلية ستكون في آسيا وأفريقيا وستتمحور حول المصالح عوضاً عن الأراضي. وقد وافق البروفسور في جامعة بوليتكنيك الفرنسية ايف بويه على ذلك قائلاً إن طبيعة الصراع الدولي «تتحول من جيوسياسية الى جيواقتصادية». وحذر مدير المؤسسة السويدية للشؤون الدولية توماس رايس من تصاعد النفوذ الروسي بخاصة أن الكرملن «يستخدم اليوم سياسة القوة... ويعيد بناء قدراته العسكرية التقليدية والنووية». وأشار رايس الى أن دول شمال أوروبا ستعتبر روسيا مصدر التهديد الأساسي في حين ستعتبر دول جنوب أوروبا القارة الافريقية المصدر الأساسي للتهديد، مما قد يؤثر على وحدة القرار الأوروبي. ولقد وافق بويه على ذلك مضيفاً بأن افريقيا عام 2025 ستحتوي على ثالث أكبر تجمع بشري بعد كل من الصين والهند. ومن اللافت في مواقف المسؤولين العسكريين والخبراء الأوروبيين وحدة حالهم مع الدول العربية الحليفة لأميركا، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي التي تخشى التحولات في السياسة الأميركية وتراجع اهتمامها في المنطقة. وعليه يقول ليندلي-فرنش إن على الدول التي تخشى التراجع الأميركي، بخاصة الصغيرة منها، بأن تسعى للتوحد من أجل أن تتمكن من مواجهة التهديدات وتحديات المستقبل الذي سيشهد صراعات على مصادر الطاقة والنفط. وذكر قائد القوات البرية الهولندية السابق الفريق تون فان لون بكلمة الفيلسوف والعالم شارلز داروين بأن «الكائنات الأكثر قابلية للتأقلم للمتغيرات هي التي تستطيع البقاء». ومن هنا يجب على الدول التي ستتأثر بالتراجع الأميركي، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، أن تواجه ذلك عبر توحيد قواتها. * باحث في الشؤون الاستراتيجية