تظل سوريا متصدرة نشرات الأخبار، مع انطلاق عشرات الألوف من اللاجئين السوريين اليائسين في رحلات محفوفةٍ بالخطر إلى أوروبا، واضعين صناع القرار السياسي في الغرب بمواجهة عاقبة غير مقصودة أخرى لإخفاقهم في إنهاء حاسم لصراع قتل حتى اليوم أكثر من ربع مليون شخص، وشرد أحد عشر مليوناً آخرين. وفي هذه الأثناء، انطلقت روسيا في شن ثانية عملياتها العسكرية الهجومية الخارجية في غضون 18 شهراً. وقد نشرت موسكو، في غضون ثلاثة أسابيع فقط، 28 طائرة مقاتلة على الأقل، وعشرات الدبابات، وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، وألفي مقاتل في شمال غرب سوريا. ولا بد من التوقف كثيراً أمام تأكيدات موسكو بأن هدف القوات المنتشرة في سوريا قتال داعش، وهي على الرغم من عدائها الواضح للتنظيم معروفة بموقفها الذي يعتبر قوات المعارضة كافة عناصر متشددة، وتشكل خطراً على الأمن الدولي. مخاطر ويلاحظ أن التحرك الروسي أتى في الوقت الذي تسجل السياسة الأميركية أدنى مستوياتها، فبعد أن تعرضت الدفعة الأولى من المقاتلين المدربين والمجهزين من المعارضة المعتدلة للخطف على يد تنظيم القاعدة في أواخر يوليو الماضي، سلمت الدفعة الثانية مقاتلي القاعدة نصف آلياتها وربع الذخيرة لدى دخولها البلاد، أخيراً، ضمن مهمة أقل ما يقال فيها إنها حققت فشلاً كارثياً ذريعاً. وفي غضون ذلك، بقيت أميركا وشركاؤها الأوروبيون بمنأى عن الأحداث التي تعصف بسوريا، حيث أصبح التهديد الذي يشكله تنظيم داعش موضع هوس مناسب، في حين بقيت الديناميكيات الأكثر تعقيداً في بقية أنحاء البلاد موضع إساءة فهم. وتجلت العزلة بأوضح وجوهها في التصريحات التي أعلن فيها ساسة أميركا وأوروبا أنهم ما عادوا يعتبرون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد جزءاً لا يتجزأ من الحلّ لأزمة سوريا. وفي حين لا يبدو الأمر غير منطقي للمراقب العادي، فإنه يغفل واقع أن ما يزيد على مئة ألف سوري من الذين يقاتلون نظام الأسد قد تعهدوا بعدم التوقف حتى إزاحته من السلطة. أتقن الأسد أساليب الاعتقال والتعذيب لـتطهير شعبه، وفرض عشرات من حالات الحصار من نوع القرون الوسطى على مجتمعات مستضعفة. وأمعن كذلك في خرق مقررات مجلس الأمن، واعتبر وفق بعض المصادر مسؤولاً عن مقتل 95 بالمئة من القتلى المدنيين البالغ عددهم 111 ألف شخص منذ 2011. أساس الأزمة لا يزال داعش يشكل قوة كامنة يجب مواجهتها، لكنه لن يزحف على دمشق قريباً، كما تروج بعض الأوساط التخويفية غير المطلعة، كما لا تزال القاعدة تشكل تهديداً على المدى الطويل، لكن الأسد ونظامه يبقيان في أساس الأزمة السورية. يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية السياسية والأخلاقية في إيجاد حل يضمن إحلال السلام في سوريا بإشراك كافة الأطياف، بما في ذلك المعارضة المسلحة، التي خلافاً للرأي الشائع تعد متماسكة، وقد أمضت السنة الماضية بمعظمها تركز على تطوير رؤية سياسية واضحة وموحدة، وهي مجموعات مؤلفة من السوريين وبقيادتهم، وتحصر أهدافها داخل الحدود السورية، ولا تركز على داعش أو الفصائل الأخرى المرتبطة بالقاعدة، التي لا تزال تفاوض حتى اليوم على إنشاء مكتب سياسي واحد لها. تتجاهل حكومات الغرب المعارضة المسلحة على حساب تعريض بلدانها للخطر. فهي إذ تبدي استيعاباً للمطالب الإيرانية، الداعية إلى بقاء الأسد، وتقسّم ربما أوصال البلد، تسهم في إطالة أمد الصراع وزيادة احتدامه بما سيؤدي حتماً إلى استنفار وحشد المتشددين، على نحو لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل. إن السواد الأعظم من اللاجئين المتدفقين إلى أوروبا اليوم هاربون من آلة قتل نظام الأسد، وليس من داعش أو القاعدة. منذ تقاطر السوريون إلى الشوارع في مارس 2011، كان الرد الغربي ضعيفاً ومتملصاً وملتبساً في آن، إلا أن العالم اليوم بحاجة إلى قيادة حقيقية. ويبدو، لسوء الحظ، أن قادة العالم يسقطون في الجحيم دون أن يدركوا.