مرّت 27 سنة كاملة على أحداث 5 أكتوبر 1988 التي أنهت هيمنة الحزب الوحيد بالجزائر، غير أنها أدخلت البلاد في دوامة من المشاكل وحرب داخلية أتت على الأخضر واليابس أسفرت عن مقتل أزيد من 10 آلاف وشردت الآلاف وخربت الاقتصاد. ويرى عدة متابعين إمكانية تجدد أحداث العنف بشكل قوي وأكبر من السابق، ومنهم حركة مجتمع السلم التي ترى أن جميع الظروف قد تهيئة ليبزغ ربيع عربي قوي في الجزائر يماثل أو يكون أقوى من الذي شهدته عدة بلدان عربية. وبالعودة لحيثيات أحداث الثامن أكتوبر يروي أحمد عبد الحي مستشار وأستاذ في العلوم السياسية لـ"CNN" بالعربية ويقول :"أحداث الثامن أكتوبر في نظري كانت بمثابة "ربيع عربي" مسبق شهدته الجزائر وقتها، وسيبقى راسخا في إذهان الجزائريين الذين خرجوا بكثافة إلى الشارع انطلاقا من حي باب الواد العريق في الجزائر العاصمة قبل أن تمتد إلى مختلف ربوع الوطن في ظرف قياسي، مطالبين بالتغيير والانفتاح الديمقراطي بعد هيمنة الحزب الحاكم آنذاك -جبهة التحرير الوطني- وتراجع أسعار النفط". وواصل نفس المصدر حديثه :"شمولية المظاهرات واكتساحها أغلب تراب الوطن دفع بالسلطات إلى التدخل عسكريا من خلال انتشار للدبابات في العاصمة وفي المدن الكبرى وأعلن عن حالة طوارئ نتجت عنها مقتل حوالي 200 شخص وإصابة عدد كبير بجروح متفاوتة الخطورة، لتأتي تلك الأحداث بنتائج إيجابية على الساحة السياسية أرغمت الرئيس الراحل الشادلي بن جديد إلى القيام بتعديل الدستور الذي كرس التعددية الحزبية والإعلامية، ما جعل الجزائر تعيش سنتين من النكهة الديمقراطية ما بين 1988 و1990 تشكل على إثرها أحزاب معارضة جديدة وعناوين صحفية فاقت 100 عنوان". واستطرد محدثنا قائلا:" سرعان ما تبخرت أحلام الجزائريين بعد إيقاف المسار الإنتخابي لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل نهاية 1991 ما جعل الجزائر تدخل في دوامة من المشاكل دفعت بالرئيس الشادلي إلى إعلان استقالته ليغتال فيما بعد الرئيس محمد بوضياف وتظهر وقتها حركات إسلامية مسلحة ومتشددة ساهمت في إشعال نار الفتنة في البلاد أعاد أحداث العنف للبلاد بأكثر دموية وعنف لعشر سنوات قبل أن يوجد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ميثاق السلم والمصالحة الذي أنهى الأحداث". وإذا كان البعض يتهم السلطة وخاصة الجنرال المتقاعد خالد نزار وزير الدفاع السابق، محملا إياه المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع الأمنية من تدهور آنذاك، وفي مقدمتهم "خالد زياري" الذي قال في تدوينة له على "الفايس بوك":"إذا كان هناك شخص يجب محاكمته محاكمة شعبية عن أحداث 5 أكتوبر، فإنه الجندي السابق في الجيش الفرنسي الجنرال نزار". وقد رّد خالد نزار على الاتهامات وأصدر اليوم الاثنين بيانا نقله موقع "الجزائر باتريوتيك" جاء فيه أن الظروف وقتها كانت صعبة واتخاذ القرارات كان بحضور كبار المسؤولين والضباط وكل كان يعمل لمصلحة البلاد بما فيها قائد المخابرات محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق". وبعيدا عن ما كان من اتهامات وفي نظرة استقرائية للأحداث سنوات التسعينات من الألفية الماضية وما تعرفه الجزائر حاليا خاصة مع تدهور أسعار النفط وارتفاع القدرة الشرائية فإن أحزاب سياسية وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم المناهضة للنظام تعتبر أن الظروف الراهنة والضبابية الموجودة والخلافات الحاصلة على أعلى مستوى هرم السلطة من شأنها أن تؤدي إلى إنزلاقات خطيرة وأكبر بكثير مما وقع في أكتوبر 1988. واستدلت حركة "حمس" في البيان الذي أصدرته، الإثنين، وتلقى موقع "CNN" بالعربية نسخة منه قالت فيه :"رغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرت للنظام خصوصا في الخمس عشرة سنة الأخيرة إلا أنه عجز عن تحقيق التنمية والانتقال الاقتصادي، وترك مصير الجزائريين مرتبطا بمداخيل البترول والغاز التي أخذت تتبخر بشكل سريع لا يحمد عقباه، كما أنتج شبكات كبيرة من الفساد واستغلال الدولة لصناعة إمبراطوريات مالية توشك أن توصلنا إلى نظام رأسمالي متوحش". ومن جانبها حذرت حركة الإصلاح الوطني من انتفاضة شعبية جديدة نتيجة لسياسة فرض الأمر الواقع من السلطة على المواطنين وتكريس ثلاثية "الانسداد والاستبداد والفساد" التي تعرفها البلاد، وقال فيلالي غويني لـ"CNN" بالعربية إن حزبه :"سجل يأسا شعبيا واسعا نتيجة ما تعرفه البلاد من أوضاع.. وعليه ننبه السلطة إلى أن مواصلة الهروب إلى الأمام واستمرار التعنت وفرض الأمر الواقع قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية أخرى لن يتحكم فيها أحد". وإذا كانت بعض الأحزاب ترى أن رمي الكرة إلى الشارع ليتولى المهمة التي فشلت فيها المعارضة، فإن القيادي في حزب جيل جديد، إسماعيل سعيداني، صرح لـ"CNN" بالعربية أن :"تأجيج الشارع في الوضع الراهن غير ملائم لأنه يصعب التحكم في الأمور حاليا خاصة لو نسجل لحظة انفلات لا يستطيع أي حزب التحكم بها وقد تجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، لهذا فإن فكرة الخروج إلى الشارع لا تروق لحزبه".