×
محافظة المنطقة الشرقية

توفي شاب (21عاما) صباح اليوم بعد تعرضه لطلق ناري في حادثة

صورة الخبر

< لا يمكن لأية دولة في العالم أن تنفق أكثر من 100 بليون ريال لبناء بنية تحتية، وإنشاء مدينة متكاملة الخدمات، ومرافق حكومية، من مستشفيات، وشبكة اتصالات، وطرق، وأنفاق، لتعمل مدة أسبوع فقط من كل عام ومن ثم تغلق، سوى المملكة؛ من أجل خدمة الحجاج وضيوف بيت الله الحرام. وخدمة الحاج ليس مظهراً سياسياً أو إعلامياً تتخذه الحكومة من أجل أن تكسب رضا منظمات عالمية، إنما هي عقيدة تؤمن بها وتنفذها على أرض الواقع، من دون منة. وتجزل العطاء بسخاء منذ قيام هذه الدولة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -. ربما لا يعرف الكثير أن رسوم خدمات مؤسسات أرباب الطوائف، من خيام في منى، وتنقلاتهم وخدماتهم، منذ 40 عاماً أسعارها ثابتة لم ترتفع، على رغم مطالبة هذه المؤسسات بزيادة الأسعار إلا أن الدولة ارتأت عدم تحميل الحجاج القادمين من الخارج أية زيادة أسعار، ويدفع كل حاج ما لا يزيد على 1029 ريالاً، أجور الخيام في منى وعرفات والتنقلات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، على رغم ما صادف خلال السنوات الماضية من عدم استقرار في أسعار النفط، وتراجع مدخول المملكة الذي يعتمد بشكل كبير على عائداته. أما السكن، فهو أمر متروك لكل حاج بحسب اختيار ما يناسبه وفق ميزانيته، وتتولى بعثته أمر السكن، إذ يتم استئجار الغرف من الشركات المتخصصة في الإسكان، وتضع الجهات الحكومية الشروط والضوابط اللازمة لإسكان الحجاج، وليس لأية جهة حكومية أن تفرض على الحجاج سكناً أو سعراً عالياً تجبرهم على دفعه. أما الخدمات الإضافية، التي يرغب الحجاج في الحصول عليها من خدمات مميزة، أو وجبات طعام مختلفة، فبعثات الحج وأصحاب الحملات التابعين لحجاج الدول تتولى هذه الأمور، وتحصل منهم الأجور وفق الحاجات والإضافات المطلوبة. في كل الأحوال بالنسبة للحجاج العاديين متدني ومتوسطي الدخل تكفيهم صرف 5 آلاف ريال خلال أيام الحج، تشمل الإقامة في مكة المكرمة بجوار الحرم المكي، وفي المدينة المنورة. أولت الحكومة السعودية اهتماماً بالغاً بحجاج الخارج، ومنحتهم كل التسهيلات والأفضلية في الخدمة، حتى حجاجها من المواطنين والمقيمين فيها لا يحصل على هذه الخدمات والتسهيلات 85 في المئة من مخيمات منى وعرفات، وجميعها لحجاج الخارج، أما النسبة المتبقية هي لحجاج الداخل، لا يحظى حجاج الداخل من ميزة استقبالهم في مدينة متخصصة للحجاج في مطار جدة، ولا يحظى بالرسوم المنخفضة التي يدفعها حجاج الخارج، كلفة الحج بالنسبة للسعوديين والمقيمين تزيد على أسعار حجاج الخارج مئات الأضعاف، وحتى لا يتسبب حجاج الداخل في مضايقة من هم قادمون من الخارج، استحدثت العديد من الأنظمة والضوابط، وأقرت عقوبات لمن يتجاوز هذه الأنظمة، من بينها: عدم الحج إلا بتصريح من الجهات الحكومية، وشملت العقوبات الإبعاد عن البلاد للمقيمين المخالفين والسجن والغرامة المالية للمواطنين. لا يمكن أن تقيم دولة مدينة حضارية متكاملة الخدمات تعمل مدة أسبوع فقط. فتجهز 200 ألف من رجال الأمن، وبكامل معداتهم الأمنية وأعلى تدريب وهي لا تحصل من الحجاج أي رسوم أو تفرض ضرائب أو تستحصل مبالغ تعيدها إليهم عند مغادرتهم. والشيء الملفت أن الحكومة السعودية تصرف مكافأة شهر للعاملين في الحج من رجال الأمن، كل هذا من أجل أن ينعم الحجاج بالأمن والأمان أثناء وجدهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي مواقع الحج. السعودية فقط، تعالج الحجاج المرضى وتجرى العمليات في مستشفيات حكومية، خلال موسم الحج يراجع أكثر من 300 ألف حاج المستشفيات الحكومية ويحصلون على أدوية مجانية، وتم تصعيد 344 حاجاً من المنومين إلى الحج في سيارات إسعاف مجهزة بالكامل، حتى لا يتم استغلال الحجاج. رفضت السلطات الصحية السماع للقطاع الخاص بالعمل في منى وعرفات وتحملت لوحدها بميزانية ضخمة تقديم العلاج للحجاج مجاناً، مع توفير كوادر طبية وأجهزة حديثة، هذه المستشفيات لا يستخدمها المواطنون بعد الحج بل تبقى مخصصة للحجاج فقط، إلى جانب المحال التجارية التي تنتشر حول المنطقة المحيطة حول الحرمين لبيع المواد الاستهلاكية والغذائية. هناك أكثر من 10 ملايين وجبة مجانية، تحوي عصيرات ومياه وتمر ووجبات خفيفة، إضافة إلى وجبات ساخنة، تشارك في تقديمها جهات خيرية، من بداية دخولهم المنافذ السعودية وفي المشاعر المقدسة. تنتشر أكثر من برادة حصلت على ترخيص من الجهات الحكومية، لتقديم وجبات للحجاج، توزعت أكثر من 500 برادة مع أن هذه البرادات نافست المحال التجارية التي تبيع المواد الغذائية، وألحقت بها خسائر، إلا أن رغبة الحكومة في أن يحظى الحاج بأعلى الرعاية والاهتمام، هو هاجسها الأهم. لم تستغل المملكة موسم الحج للترويج لموقف سياسي، أو للحصول على دعم من المنظمات الدولية من أجل موقف، عملت ولا تزال بصمت تحتسب الأجر من العلي القدير، ومن المعلوم أن تجمعاً لخليط من الناس في مساحة محدودة شرعاً، لأداء مناسك يتطلب تنفيذها في ساعات محددة وبلغات مختلفة، واختلاف ثقافات ومذاهب دينية، وبينهم أصحاب نعرات قبلية وطائفية، إضافة إلى ما يحدث في العالم العربي والإسلامي من اختلافات مذهبية وما فيها من أحداث سياسية في المنطقة، وأن تضبط كل هذه الجموع وتراعي كل الظروف السياسية أمر يحتاج إلى مهارة فائقة وحنكة وفن إدارة. ما ذكرته عن خدمة السعودية للحجاج وما تقدمه لهم، هو أمر يسير وغيض من خدمات عدة ومتنوعة. وكل عام والحجاج بخير. * صحافي وكاتب اقتصادي. jbanoon@