من محرّري الأخبار في وسائط الإعلام، مواهب فنيّة فائقة بامتياز، لا يفترون الكذب على أحد، ولكنهم بخفة يد القلم يصنعون لك من المأساة ملهاة مقهقهة. فلم يكن عبثاً ولا لهواً حديث معاهد الصحافة في مناهجها عن فن التحرير الإعلاميّ، لذلك تراهم، بذوق واحتراف، يحوّلون التراجيديا إلى كوميديا. في خضمّ أحداث القدس المتفجّرة المتفاقمة، تفاجئك رنّة الخبر الجديد في جوّالك: عاجل: الحكومة الفلسطينيّة تستنكر أحداث القدس، ماذا تقول: صحّ النوم، أم: بعد ست وستين سنة فتح الله عليها؟ كأن الإخوة في حالة انعدام الوزن في كون موازٍ، أو كقول الشاعر الأمريكيّ روبرت فروست: نجلس في الداخل ونتحدث عن البرد خارجاً. بالمناسبة، هذه قطرة من بحر كوميديا التحرير الإعلاميّ، ففي غليان القدس هذا جاءت الأنباء بهذه الدرّة الأخرى: الجامعة العربية تدعو المجتمع الدوليّ إلى اتخاذ موقف فوريّ حازم من أحداث القدس. يا حرام، لقد تجشمت الصعاب، ولكن، لو لم يعاجلها التثاؤب، ما كانت لتفتح فمها. المأساة الصغيرة، هي أن العالم العربيّ، كان يرى طوال أكثر من ستة عقود، أن القضيّة المركزية تسير بخطى حثيثة نحو فقدان مركزيتها، وأصحابها الممسكون بانفلات مقاليدها، يحملون غيرهم على اللامبالاة، بسلوكهم الأشهر من رأس جبل جليد، وكان على العرب أن تكون التنمية الشاملة قضيّة العصر وكل عصر لديهم، فليس ثمة شيء يقهر الأعداء كأن يروا مشاريع تنمية رائدة تتجاوز مطامح القرن الحادي والعشرين. والمأساة الكبرى في القضيّة التي كانت مركزيّة، هي أن الذين شُبّه لنا أن المقاليد في أيديهم، كانوا في حقيقة الأمر، ولايزالون، في حالة تقمّص مسرحيّ وأداء فولكلوريّ، لا حالة إراديّة عاقلة، ذات إحساس بالمسؤوليّة يواكب الأحداث بالخطط المتجدّدة ويطوّر الوسائل. تقصير الإخوة يتمثل في أنهم لم يدركوا أن تخلّفهم عن القضيّة سيضع شعبهم على هامش الجغرافيا، وتقصير النظام العربيّ، هو إهماله أن فقدان القضيّة وزنها، سيجعله، وهو الذي لم يهيّئ بديلاً، يفقد اللُحمة وسرّاً من أسرار تشكّل البنيان، أمّا سرّ الأسرار ومفتاح البقاء فهو التنمية الشاملة، لأنها هي قوّة الأواصر وعزّة الشعوب وسيادة الأوطان. لزوم ما يلزم: النتيجة الحقوقيّة: فهم الإخوة منطقيّ قانونيّ، لقد جال في خاطرهم أن القضيّة تحتاج إلى محكمة، لا إلى نضال في سبيل استعادة الحق. abuzzabaed@gmail.com