تعودت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاعتراف بالخطأ قبل فوات الأوان وحصول كارثة كبيرة في منطقة من العالم. وآخر هذه الاعترافات ما باح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حين أقر بتقصير الدول الغربية في ليبيا وترك البلد إلى الفراغ بعد إطاحة نظام معمر القذافي في خريف 2011. هذا الاعتراف لن يغير في الأمر شيئاً، فليبيا التي زجّوا بها في وهم اسمه ثورة ها هي تستفيق على خراب شامل وضياع أشمل، ولم تستطع القوى الغربية، التي راوغت الشرعية الدولية في قرار مجلس الأمن 1973 وفرضت أمراً واقعاً بإطاحة القذافي، أن توجد البديل المقنع للحفاظ على الدولة ومسك زمام الأمر. وبعد أن استباحت التنظيمات الإرهابية البلاد وهُمش الثوار الحقيقيون، ها هي الاعترافات تتوالى محاولة التكفير عن الذنب، ولكن بعد أربع سنوات، وحين تأكد أن تلك الخطة كانت مقصودة لتفكيك ليبيا وتدميرها، أصبح البحث جارياً عن حلول سياسية وعن مخططات لمحاربة الإرهاب ومواجهة الهجرة غير الشرعية وشبكات التهريب. قبل أن تنعقد الدورة السبعون للأمم المتحدة كان مفترضاً للمفاوضات الليبية برعاية الوسيط الدولي برناردينو ليون قد حققت أكبر أهدافها ، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية واختيار رئيس لها بالتوافق ليسافر إلى نيويورك ممثلاً ليبيا الموحدة ويسوّق صورة جديدة لبلاده، بل ذهب رئيس البرلمان المنتخب عقيلة صالح ممثلاً لجزء من الليبيين، بحسب قناعة ليون. وقد انفضّ المؤتمر الأممي وظلت القضية الليبية على نفس القدر من التهميش، باستثناء الدعوات إلى ضرورة التمسك بالحل السياسي وتسريع تطبيق التفاهمات التي تم التوصل إليها. وطلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من مبعوثه ليون إجراء مناقشات مع الأطراف الليبية لتشكيل حكومة التوافق. ومن المتوقع أن تعود هذه الأطراف إلى التفاوض في المغرب من دون تعهدات ملزمة بتحقيق اختراق كبير، على الرغم من بلوغ الوضع الإنساني والاجتماعي درجة غير مسبوقة من التدهور. فخلّف الحديث عن المفاوضات والصراع بين حكومتي طبرق وطرابلس هناك مأساة إنسانية تسحق أكثر من نصف الشعب الليبي من دون أن ينتبه أحد. وألحق انعدام الاستقرار والتناحر الأذى بأكثر من 3 ملايين ليبي في الداخل من دون احتساب نحو مليون ونصف مهجّرين ومشردين في دول الجوار وبقية أنحاء العالم، وبالمحصلة فإن 75 في المئة من الشعب الليبي البالغ عديده نحو 6 ملايين نسمة سحقوا بفعل الثورة وبفعل التخاذل الدولي بعد انتهاء الحرب الأولى ودخول حروب ستستمر حتى بعد التوصل إلى حكومة وحدة. هناك ترجيح كبير لتطورات خطرة في ليبيا خلال الأسابيع المقبلة إذا فشلت مفاوضات السلام واستقال المبعوث الأممي برناردينو ليون من الوساطة. وليس هناك ما يمنع من حدوث تدخل عسكري مفاجئ لضرب الجماعات الإرهابية ومن بينها داعش على غرار المباغتة الروسية في سوريا. وما يؤكد هذه الفرضية التحركات العسكرية والسياسية في الإقليم لا سيما في مصر وتونس والجزائر، فالقرارات واللقاءات ، ومن بينها القمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتونسي الباجي قائد السبسي، توحي بأن شيئاً ما سيحدث أو على الأقل هو تحسب لإعلان فشل المفاوضات الليبية وإعادتها إلى واقع الكارثة الذي لا يجدي الاعتذار عنه أو اعتراف المجتمع الدولي بالمسؤولية حياله. chouaibmeftah@gmail.com