وها قد أسدِل الستار على انتخابات المجلس الوطني 2015 بكل تجليّاتها. والأمر يحتاج وقفة سريعة لنقرأ من خلالها بعض المؤشرات التي أسفرت عنها هذه الانتخابات. ولنبدأ أولاً بحملات المرشحين الانتخابية. ويتضح من خلال الإطلاع على برامج المرشحين الدعائية أن البعض، ولا أقول الكثير، لا يزال يجهل دور المجلس وطبيعة تركيبته في البنيان الدستوري للدولة. فبعض البرامج والوعود كانت أقرب إلى البرامج التنفيذية التي لا يختص بها المجلس، وتبدو استنساخاً لبرامج في دول تختلف في طبيعة تركيبتها وأدوار مجالسها عن دولة الإمارات. والقلة فقط درست دور المجلس وطرحت برامج اتسمت بالواقعية. ولا أعلم كيف سيتمكن من طرحوا برامج تنفيذية الطابع ممن وصلوا إلى قبة المجلس، من تحقيق وعودهم الانتخابية خلال مدة دورتهم. كما لوحظ أن البعض من المرشحين اكتفى باستجرار برامجه السابقة معتمداً في النجاح على متانة وتشابك علاقاته الاجتماعية، أما البعض من المرشحين فإن برامجه كانت توحي بعدم الجديّة. وكنت أتوقع أن تراكم الخبرة من الانتخابات السابقة قد يُؤدي إلى وضوح الصورة، إلا أن المسألة لا تزال تحتاج وقتاً أطول حتى تتضح الصورة لدى الجمهور، مرشحين وناخبين. كما لوحظ تنوع الأساليب الدعائية التي انتهجها المرشحون. فالبعض استخدم الأساليب التقليدية والبعض لجأ إلى وسائل التواصل المعرفية في الوصول إلى الجمهور وطرح برامجه، إلا أن حقيقة الأمر أن المعيار الغالب للفوز لا يزال للعلاقات الاجتماعية. فثقافة الناخب السياسية لم تصل بعد إلى مرحلة من النضج ليكون فيها معيار الانتخابات قائماً على برنامج المرشح وتوجهاته. أما المشاركة التي بلغت نسبة 35% فهي دون الطموح والمتوقع ولكنها جيدة وأفضل من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة. إلا أن المسألة تحتاج بحثاً مُوسعاً ومُعمقاً عن سبب هذا العزوف الإجمالي، على الرغم من الحملة الدعائية المُكثفة التي اتبعتها اللجنة الانتخابية في هذه الدورة. فهل السبب يكمن في الوعي السياسي لدى الناخب الإماراتي أم نظرته إلى العمل البرلماني، أم الإجراءات الإدارية كعدد المراكز الانتخابية مثلاً؟ وهل من الأفضل أن يصبح التصويت ملزماً قانوناً مثلما هو متبع في بعض الدول؟ أما المرأة فلها حديث خاص. فعلى الرغم من سياسة التمكين التي تنتهجها الدولة وإفساح المجال واسعاً لها لتتبوأ جميع المراكز والمناصب القيادية، وعلى الرغم من نسبة المشاركة النسائية الجيدة إلا أن امرأة واحدة فقط كُتب لها النجاح في الوصول إلى قبة المجلس. والغريب أن إمارة دبي الأكثر انفتاحاً وديناميكية لم توصل امرأة واحدة إلى المجلس بالانتخاب خلال ثلاث دورات، وهي مسألة تستدعي النظر. ولابد من الإشارة إلى المجهود الجبار الذي بذلته اللجنة الانتخابية في هذه الدورة لضمان سلاسة العملية الانتخابية وحسن سيرها، وللقائمين على اللجنة واللجان الفرعية كل تحية وتقدير. ولئن انتهت مرحلة الترشيح والانتخابات فإن المرحلة الأهم هي القادمة، فالدور المأمول والمهمة المنوطة بمجلس 2015 مهمان وجوهريان، خاصة في المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة، وفي ظل العواصف التي تُحيط بنا والتي قد تزيد والتي تحتاج جهداً مُضاعفاً من أعضاء المجلس حتى يكون جهازاً فعالاً يعمل مع مؤسسات الدولة الأخرى ويسند الدولة في أدوارها القادمة.