من الظواهر الصحية في خطى الإصلاح الاجتماعي التي تألَّقت كثيرًا في السنوات الأخيرة، أننا أصبحنا نتحدث عن (ثقافة العيب) أكثر مما ترددت كلمة (عيب) بيننا، وهي ثقافة عريضة أدى سكوتنا عنها زمنًا إلى تمددها وغمرها لكثير من جوانب الحياة، وتباينت أنواع العيوب وخطرها وآثارها، ففي جانبها المؤثر بالتنمية ومسؤوليتها عن نصيب كبير من معدلات البطالة أنها حالت دون ممارسة الشباب لبعض المهن، فربّتهم على كراهة المهن حتى فضّل كثير منهم البطالة والعيش عالة على أسرهم بدل العمل في مهنة ينتقدها مجتمع (العيب)، ويعاقب عليها بقسوة. وفي أحداث العنف وقضايا التحرش والابتزاز تخلف ثقافة العيب وراءها كثيرا من الضحايا، حيث تجبر المجني عليهم على السكوت وتحمل الاعتداءات تحاشيًا لمجتمع (العيب) الذي لا يرحم. وفي العلاقات بين الزوجين تكشف ثقافة العيب أنها صناعة ذكورية بامتياز، صُمّمت لتجعل المرأة أسيرة للرجل، مكبّلة بقيوده التي يفرضها متى شاء وكيفما شاء، فمن العيب اعتراض المرأة على الظلم إن وقع عليها، ومن العيب دفاعها عن نفسها وحقوقها، ومن العيب أن تُطالب بنصيبها العادل من الشراكة الزوجية ما جعلها تحتمل العنف والتعنيف، وجعل وليّها يعيدها لحظيرة الزوجية كلما فرّت منها؛ لأن من العيب نشوزها وعدم احتمالها عيوب زوجها!. أغلب أحاديثنا عن ثقافة العيب تناقش جنايتها علينا في نواحٍ عدة، لكن هذا الأغلب لم يقنع القلة المنافحين عن (ثقافة العيب) ممن يثنون على ما استحدثته من قيم ألزمت بها أفراد المجتمع، ومن طرائف ما يُردّده هؤلاء أن من حسنات (ثقافة العيب) أنها أنتجت زوجات صابرات وأمهات مضحيات، وأنها ساهمت في الحد من حالات الطلاق، وحافظت على استقرار الأسر، وهؤلاء لا يتجرّؤون على الادعاء بأن (المضروبة) أنتجت أزواجًا أوفياء أو آباء عاطفيين، ولن يستطيعوا أيضًا إنكار أن الاستقرار الأسري الذي تفتعله (ثقافة العيب) استقرار صوري يُحمِّل كاهل العنصر الأضعف (المرأة) أثقال الحياة، ويُحوّلها بطول الصبر لآلة صمّاء لا تُفكِّر ولا تُعبِّر، وليس أمامها إلا أن تصبر!. lolo.alamro@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (71) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain