كنت دومًا أعتز بالهدايا الخاصة التي يقتنصها صديقٌ عزيز من سوقٍ تحف على سبيل المثال portobello road Market، وأنهى عن أن تصبح الهدايا مجرد مسؤولية ثقيلة ترتبط بيومٍ معين.. وتنتهي إلى مكانها في قائمة الأشياء التي لا يستطيع المرء التخلص منها، ولا أن يحبها بصدق. هذا العام أسعدني أحد الأصدقاء بخارطة للعالم مصحوبة بدبابيس مختلفة الألوان، لكي ترمز إلى البلدان التي تمت زيارتها، والتي سنقوم بزيارتها مستقبلًا. حسنًا، سأقول الحقيقة.. كلما شرع أحدهم في سؤالي عن زيارتي لبلد ما (لم يحصل وأن زرته)، فإنني أصاب بالحرج وأنا أجيب بالنفي! وكم تمنيت الإيجاب، ولربما كذبت في الطفولة ذات مرة وأجبت بالإيجاب! ربما لأنني أؤمن بأن ثلاثة عقود ونيف تكفي لرؤية الكثير من الأصقاع، لذلك سأحتفظ بهذه الهدية العزيزة في مكان لا تصل إليه الأفئدة ولا الأعين! لاشك أن من يتأمل خارطة العالم الحالية؛ سيقتنع بنظريات علماء الجيولوجيا والصفائح أن هذه القارات المتباعدة كانت يومًا قارة واحدة منذ ملايين السنين تُسمَّى «پانچيا»، لعدّة أسباب أهمها بلاشك أنها تبدو كقطع الأُحجية التي تفتقد للتركيب، وأيضًا أن كثيرًا من الأحافير الموجودة مثلًا في غرب إفريقيا وجدت تكملتها في شرق أمريكا الجنوبية، ثم لم تلبث وابتعدت شيئًا فشيئًا عن بعضها. لكن جبروت التاج الإسباني لم يعبأ بالمسافات، وإذا بسكان أمريكا الجنوبية يتحدَّثون لغة التاج رغم بُعد الشقة. زال التاج الإسباني كما زالت حضارة الإغريق والرومان، ثم جاء التاج البريطاني وكرس لبلاد لا تغيب عنها الشمس حقيقةً، تغرب عن لندن لتشرق في جزيرة ما في المحيط الهادي، ثم تشرق في دلهي التي تظهر صور الرحالة مدى الترف الذي كان ينعم به المستعمر وهو محاط باثني عشر خادمًا (هذا الحد الأدني المقترح لحفظ المظهر الاجتماعي)، لا يجرؤ أحدهم على النظر لعدسة الكاميرا. إلى اللقاء.