الآثار التراكمية للتنمية الاقتصادية الرأسمالية والتصنيع واسع النطاق والاستغلال المفرط للثروات والموارد الطبيعية، وضعت الأرض على المحك لتكون كوكباً صالحاً للبشر للحياة فيه. يزعم الرأسماليون المعادون للحركة البيئية الخضراء أن التغيرات التكنولوجية والنمو الاقتصادي هما اللذان يحافظان على البيئة، في حين أن التخلف التكنولوجي والفقر هما اللذان يدمران البيئة الطبيعية والأنظمة الإيكولوجية. هذا الزعم الغريب يجافي الحقيقة والواقع، ويبرر تنصل الدول الرأسمالية الكبرى من المسؤولية عن تلويث كوكب الأرض، وفي المقابل تحميل المسؤولية إلى الدول الفقيرة، المتضررة أصلاً من السُّعار الرأسمالي العالمي العابر للقارات، المتوحش الاتجاه والأناني النزعة. تقوم حياة الإنسان على التفاعل الإيجابي مع الطبيعة ومواردها، فالفقراء في العالم يزرعون ويربون المواشي ويصطادون من البحار والأنهار لتوفير غذائهم حد كفافهم، وبيع الفائض للحصول على بديل نقدي لتلبية احتياجات الحياة الأخرى الضرورية والتحسينية والكمالية من دون تجاوز حد البطر والتبذير والهدر. في هذا الإطار من التفاعل الإيجابي والمتبادل يحصل الإنسان على حاجته من الطبيعة ويضيف إليها في المقابل ما يكفل استمرارها في العطاء. في حين أن الرأسمالية المتوحشة متعطشة إلى الربح الوفير عبر الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، من دون أدنى استعداد في المقابل للتنازل عن حصة من الأرباح لصالح صيانة الموارد وإدارتها بشكل مستدام. التوحش الرأسمالي ليس مجرد نمو اقتصادي مفرط أو استغلال واسع للموارد الطبيعية والمواد الخام للتصنيع، فهو المتسبب الرئيسي في الاضطراب السياسي والحروب الأهلية واستدامة الفقر والتخلف في مناطق كثيرة من العالم. على سبيل المثال مازالت جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ استقلالها قبل أكثر من نصف قرن مسرحاً لحروب أهلية، وقبلية وحدودية لأن الشركات الرأسمالية العابرة للقارات تمول هذه الحروب وتخلق لوردات للحرب لإضعاف الدولة المركزية وخلق دويلات يديرها قتلة وبلطجية لضمان تدفق الثروات المعدنية التقليدية والنفيسة بأسعار بخسة. وقل مثل ذلك على ما يحدث في البؤر المتفجرة في موزمبيق وناميبيا وأنغولا وسيراليون وساحل العاج وغيرها من الدول الإفريقية المنكوبة. وقل مثل ذلك على بلد كالصومال استثمرت الشركات العابرة للقارات استدامة الحرب فيه، من أجل تحويل سواحله وأراضيه مدافن للنفايات الكيماوية الخطرة بكلفة زهيدة، واستغلال ثروته السمكية في منطقته الاقتصادية البحرية من دون رقابة أو حماية من دولة مركزية تستطيع الحفاظ على الحقوق الوطنية. وقل مثل ذلك على البرازيل التي استهدفت الهجمة الرأسمالية الشرسة رئة العالم، غابات الأمازون، فأزالت أكثر من ثلث غطائها النباتي لصالح الزراعة واسعة النطاق ومزارع المواشي اللاحمة، ما جرد الأرض من حائط الصد الذي يمنع ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة من التراكم في الطبقة الإسفيرية المحيطة بكوكبنا وتعريضه للاحترار والتغير المناخي. الرأسمالية المتوحشة ليست مجرد نمو اقتصادي، ولكنها نمط مضمون لدمار الأرض وتلويثها، وتجريد الإنسان فيها من هواء وماء نظيفين وبيئة صحية لحياة هادئة ومستقرة. Osmim@hotmail.com