هل تعلم أن الخطأ كان بداية طريق المعرفة؟ نعم، فلقد أسكن الله أبانا آدم الجنة وعلمه الأسماء كلها، ثم أمره بأمر ليهيئه لتحمل التكاليف التي ستلقى عليه حين يهبط إلى الأرض، فالخلافة على كوكب كبير بكل ما فيه من أسرار ليس شيئاً هيناً، فمن هنا كان الامتحان الأكبر أن يخرج من تجربة بثراء معرفي يكون عنواناً لحياته وحياة أبنائه من بعده، فالتجارب تحتاج لصبر طويل، وتكشف لنا الحياة والتعامل مع بعضنا بعضاً، أو التعامل مع مفردات ومخلوقات الأرض أهمية المحاولة والتعلم مهما حدث من خطأ، ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم أتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم. لم تكن بداية طريق المعرفة إلا حين أخطأ آدم، فحين أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها تعلم أنه ذو إرادة، وأنه يستطيع أن يختار بين الخير والشر والطاعة والمعصية، إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا، وهديناه النجدين، لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم. هذه الحقيقة في حرية الاختيار لم تكن لتُعلم لولا وقوع آدم في الخطأ، فلسنا كبشر نفعل الخير دوماً، وإنما منا من يقع في الخطأ تلو الخطأ، ولا يجب أن يلوم الإنسان أحداً إلا نفسه، فكل نفس بما كسبت رهينة، ومن الناس من يرتقي بحياته وخلقه إلى عالم علوي راق، يحلق فيه بأجنحة السعادة والحياة الكريمة، ويشعر بالحب أكثر وأكثر في كل خطوة ودرجة يرتقي بها إلى جوار الرفيق الأعلى سبحانه وتعالى، وكل هذا باختياره وإرادته. لم تكن المشكلة أبداً هي أن أبانا عصى الله، فقد قدر الله عليه ذلك قبل أن يخلقه أنه يريد أن يعلمنا أن الخطأ من أهم ما يحدث في حياتنا، إنه السبيل للتعلم، به عرف آدم كيف يستغفر، وبه عرف اقتران المعصية بالتكشف، وبه عرف عداوة الشيطان، وبه عرف نزوله كلما فعل المعاصي، وبه عرف أن له غريزة حب الفضول، وبه عرف تأثيره على زوجته وتأثيرها فيه، وبه عرف أنه مكلف وسيترتب على طاعته أو عصيانه مصيره ونزوله أو صعوده، وبه أدرك الحزن الذي يصيبه كلما عصى ربه، فعرف أن له مشاعر وأحاسيس تتأثر بما يفعل، كل هذه المعارف لم يكن ليكتسبها لو لم يعص، ومن هنا تكون حقيقة الإيمان. إن هناك فرقاً كبيراً بين العلم والتجربة، فكم من العلوم بقيت نظريات لأنه ليس لها تطبيق في الحياة، وهناك فرق بين متعلم فقط ومتعلم وخبير وصاحب تجربة، ربنا سبحانه علم آدم الأسماء كلها، أمده بما يحتاجه من قوانين تحكم حياته، وبمنهج صالح يضمن له السعادة في الأرض، لكنه لم يقْصُر خلقه لآدم على ذلك، بل زرع فيه ملكات وغرائز، وأعداء يترصدون له يحتاج لمقاومتهم، إن طبيعة الخلق كانت التحدي والتدافع، ومن هنا كانت التجربة مهمة وجزءاً من الخلق الذي خلقه الله في آدم، وتقديراً قدره عليه، لأن المنهج يحتاج لتجربة، وقد جعل الله لنا هذه الحياة وهذه الأرض بكامل ما فيها مرتعاً خصباً للتجارب حتى نتعلم، فإذا أصبت فاعلم صوابك وانظر إلى نتائجه ودونها، وإذا أخطأت فليست هذه نهاية الحياة، ولكنها في الحقيقة بداية المعرفة إذا أردت ذلك.