لم يكن القصد من إنشاء الأمم المتحدة «عيش البشر في الجنة بل إنقاذ البشرية من الجحيم»، قال داغ هامارسجولد، ثاني أمين عام في الأمم المتحدة. ولم يكن الجحيم الذي قصده عصي الخيال في عالم ما بعد الحرب الثانية ومعسكرات الإبادة الهتلرية وحين كان طيف القنبلة الذرية يخيم على العالم. وينقسم المؤرخون في الرأي حول دور الأمم المتحدة في الحؤول دون حرب نووية كارثية. ولكنها من غير شك، ساهمت، منذ أبصرت النور في 1945، في انتشال الملايين من ضروب مختلفة من الجحيم، بدءاً بالفقر المدقع، مروراً بمشاهدة الآباء بأم العين لفظ أطفالهم النفس الأخير نتيجة مرض غير عضال، وصولاً إلى المجاعة والجوع والضعف عند الهرب من حروب اندلعت في سياق التنافس الأيديولوجي بين واشنطن وموسكو واشتعلت في أفريقيا وآسيا. ووفرت اليونيسيف، التعليم لملايين الأطفال، ومنهم أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون. فالأمين العام نزح مع أسرته في كوريا في الخمسينات. وأدت الأمم المتحدة دوراً بارزاً في إمساك بلدان تحررت للتو من الحكم الاستعماري بمقاليد الحكم. ولكن، في عيدها السبعين، يمدح دور الأمم المتحدة الإيجابي ورفعها شعلة الأمل لمستقبل البشرية، ولكن دورها يشجب كذلك في دعم الديكتاتوريات ويؤخذ عليها أنها عرين المستبدين. وبعثت المنظمة على الغضب نتيجة بيروقراطياتها التي تصيب عجلتها بالشلل، ومؤسساتها الفاسدة وسياساتها غير الديموقراطية في مجلس الأمن. وقيل إنها تشرِّع الحرب رافعة لواء السلام، ولكنها تقف موقف المتفرج خلال إبادة إتنية. وأنفقت الأمم المتحدة نصف تريليون دولار منذ أبصرت النور. وتسعى هذه المنظمة الأممية إلى تحديد دورها في القرن الواحد والعشرين. وثمة نزاع بين الحكومات الغربية التي ترى أن الأمم المتحدة مؤسسة متضخمة وغير ناجعة، وبين الدول النامية التي تطعن في هيمنة الأثرياء عليها وافتقارها إلى آلية ديموقراطية. وتضخمت موازنة الأمم المتحدة 40 مرة عما كانت عليه في خمسينات القرن الماضي، وهذا الرقم يحتسب التضخم. وتشتمل المنظمة اليوم على 17 وكالة متخصصة، و14 صندوق تمويل وأمانة عامة يتبعها 17 قسماً يعمل فيها 41 ألف شخص. وموازنتها التي تقر كل عامين تضاعفت أكثر من مرتين في العقدين الماضيين، وبلغت 5.4 بليون دولار. وهذه الموازنة لا تشمل الإنفاق الأممي كله. وتبلغ كلفة عمليات حفظ السلام، سنوياً، 9 بلايين دولار. وينتشر شطر راجح من 120 ألف جندي عامل في قوات حفظ السلام، في أفريقيا. وبعض عمليات الأمم المتحدة يدوم منذ أكثر من عقد. ويتبرع بعض الحكومات في تمويل مساعي الإغاثة في الكوارث وأعمال التنمية وعمل وكالات مثل «يونيسيف». وتضاعف هذا التمويل الطوعي 6 أضعاف في الربع قرن الماضي، ويبلغ اليوم 28.8 بليون دولار. ولكن بعض وكالات الأمم المتحدة على شفير الإفلاس. وعلى رغم تضاعف الموازنة الأممية في العقدين الماضيين، فإن إنفاق الأمم المتحدة العام هو نصف موازنة مدينة نيويورك البالغة 75 بليون دولار في 2015. وتفتقر الأمم المتحدة إلى إدارة حديثة وتخطيط استراتيجي حديث. وأهدافها فضفاضة وواسعة وضعيفة الصلة بالواقع والمنطق، على قولها. ويقول ديفيد شيرير، الذي كان على رأس «سايف ذي شيلدرن» في الصومال ورواندا وسريلانكا، أن البيروقراطية تنوء بثقلها على المنظمة الأممية. ولكن وزنها راجح في جبه الحكومات. ففي وقت يسع الحكومات التنصل من العمل مع الجمعيات غير الحكومية، لا يسعها تجاهل الأمم المتحدة. ولا تضاهي قدرات الجمعيات غير الحكومية قدرات الأمم المتحدة الضخمة، مثل برنامج الغذاء العالمي ورحلاته الجوية. قبل عقد من الزمن، خلص تقرير شارك في إعداده رؤساء وزراء موزامبيق والنروج وباكستان وغوردن براون، إلى أن الأمم المتحدة تحدد أهدافاً لا تستطيع بلوغها وأنها خذلت الفقراء والضعفاء، وأن التعاون بين المنظمات الأممية يشوبه التنافس على التمويل، وإغفال هدف البعثة الأول والتحول إلى بعثات دائمة، وانتهاج نهج بائت في إدارة الأعمال. وفي بعض القطاعات، مثل قطاع المياه والطاقة، أكثر من 20 وكالة أممية تعمل وتتنافس على حيازة موارد محدودة. وبلغ تضخم الأمم المتحدة مبلغ محاربتها نفسها والعمل ضد مصالحها. وفي بعض الوكالات تبلغ رواتب الموظفين ثلثي موازنة الوكالة. وموازنة ثلث العمليات الأممية في 60 بلداً هي أقل من مليوني دولار للوكالة الواحدة. وتكاد الوكالة الواحدة لا تملك غير كلفة إدارة مكتبها. ويشكو ديبلوماسيون ومسؤولون سياسيون ضعف القيادة الأممية. وبعضهم يعزو هذا الضعف إلى الأمين العام بان كي مون، ويرون أنه نتاج الدول الأعضاء في مجلس الأمن. «يخالف مصلحة الدول القوية أن يحوز صاحب منصب الأمين العام الأممي قوة ونفوذاً. فهم يرغبون في أمين عام ضعيف ليس في منأى من نفوذهم»، قال مسؤول. ويرى كثر أن المشكلة الفعلية التي تحول دون بروز أمم متحدة جديدة في القرن الواحد والعشرين، مردها إلى أن مجلس الأمن أسير توازنات 1945. فالدول الدائمة العضوية - وهي التي رجحت كفتها على اليابان وألمانيا- تملك حق الفيتو. وعلى رغم الكلام الأميركي والبريطاني والفرنسي على تحديث الأمم المتحدة، لا ترغب هذه الدول في التنازل عن شيء من قوتها. فمنذ 1982، لجأت أميركا إلى حق النقض 35 مرة لإجهاض قرارات تنتقد إسرائيل، في وقت بلغ عدد القرارات التي عرقلتها «فيتوات» الدول الأخرى مجتمعة 27 قراراً في المدة ذاتها. وتسعى الهند، وهي ثاني أكثر الدول اكتظاظاً في العالم، إلى توسيع مجلس الأمن ليشتمل على 6 دول جديدة دائمة العضوية.