تحضر الإنسانية فقط في مواقف الفاجعة والفقد، هي فقط مجردة من أي خلفية دينية أو اجتماعية وحتى وطنية، في تلك اللحظات المهيبة يغيب كل شيء إلا شعور قوي يهزك من الداخل، لتطلق شهقتك أو دمعتك إن لم تنتحب، دون أن تقف لتسأل نفسك من هو وإلى أي ملة أو أرض يعود؟ هو إنسان وأنت كذلك، تحملنا الشعور المشترك الذي أودعه الله في خلقه، وهو أن تستفيق منابت الشعر ودقائق الأوردة فيك ويقفز نبضك خارج جسدك، وأنت ترى مشهدا لأخيك الإنسان وهو يموت، وهذا كان موقف كل من شاهد مقطع الفيديو لـ"مدوس" المغدور، الضحية الذي قيد ثم قتل بطريقة وحشية أبكت الإنسانية قاطبة؛ لذا لا يكفي أن يُقتص من المجرم ومعاونيه وفكره؛ لقتلهم "مدوس" فقط بل ولترويعهم قلوب الملايين، عوضا عن فجع الأمهات في فلذات أكبادهن وهن يرين كل أبنائهن "مدوس". يحق للإنسانية أن تقف مطالبة بحقها من هؤلاء المجرمين والتنظيم الداعم والمغذي لهم، وكل من يدعم بصمت أو يغض الطرف عن هذه الأفكار، وهو يراها تنمو في محيطه ليتركها حتى تثمر إرهابيين وقتلة لا ينتمون للبشرية بشيء، ولو تتبعنا بصدق كيف سقيت البذرة وترعرعت لوجدنا الكثيرين قد أسهموا في الرعاية، سواء بقصد أو بجهل عززته فرحتهم بالتزام أبنائهم ومغالاتهم في الدين وأنهم بذلك على طريق الصلاح والفلاح غير محتاجين متابعة فهم في رفقة القرآن والسنة خير هاديين، وهم كذلك إن لم تدخل أيدي الشر محورة للنصوص وحارفة للعقول عن جادة الصواب. وهنا تبرز إشكاليتنا مع تقديس وتبجيل كل من أظهر لنا تدينا حتى ولو كان شكليا؛ فالظاهر يأخذ حكمنا وثقتنا وحتى إن أخطأ عيانا بيانا التمسنا له الأعذار؛ لهذا وجد أن هذا الطريق هو الأسهل لخداع الناس وتجنيد النشء عن طريق تغذيتهم بفكر يغلفه الدين، ولأن الأساس وضع مسبقا في مدرسة أو مسجد، ففترة الإعداد سريعة وسهلة ولا تتطلب عناء في الإقناع، وما هي إلا أشهر حتى تجد قوائم الانتحاريين تزخر بالأعمار الفتية التي تقبل على تنفيذ الأعمال الإجرامية بحماس منقطع النظير. لذلك فالواجب على كل أسرة أن تقوم بدورها في مكافحة هذا البلاء بمراقبة سلوك أبنائها الديني، وعدم تركهم للطواغيت والمجرمين، ومن ظهر في التزامه تزمت أو عدائية للوطن وللإنسانية، فهناك وسائل الردع التي ستوقف شره.. المهم أن نتعاون معا في اجتثاث ومحاربة هذا الفكر، وننمي في أبنائنا الاعتدال؛ لأنه في مقابل التدين المتطرف رحمة.