يشغل مصمم الأزياء الفرنسي جوليان دوسينا مناصب عدة، فهو مصمم نهائي لجائزة لويس فويتون مويت هينيسي LVMH والمدير الإبداعي لباكو رابان ومؤسس علامة آتو Atto الوليدة، وحل دوسينا محل مانيش أورورا في باكو رابان في بداية السنة الماضية بعد مغادرته دار بالانسياغا بفترة وجيزة حيث كان يعمل لدى نيكولا غيسكييه، كما تمت تهيئة العمل له في رابان بنفسه، فهذه العلامة معروفة أكثر بقليل من كونها علامة تجارية خاصة بالعطورات والكولونيا الرجالية رغم تصاميم الستينات المبتكرة للمصمم السابق. في السنوات الأخيرة شهدت الشركة بعض التعثر لأن رؤيتها في الماضي كانت ضبابية بعض الشيء لكنها حسب دوسينا بدأت تستعيد زمام الأمور، ولكن ما الذي يجب القيام به بعد السلسلة الشهيرة التي شهدتها الدار في التركيز على أزياء ستينات القرن الماضي، خاصة أن باكو رابان علامة تجارية موجودة في عمق ثقافة الأزياء الفرنسية؟ هذا الشاب المقبل من منطقة بروتون الواقعة في شمال غرب فرنسا أعاد رفع شعلة باكو رابان الذي خرج من منطقة الإيرواز القريبة منها باختراع موضة مثيرة للدهشة بقدر ما هي مرغوبة، فهل كان رابان يتخيل يوماً أن يخرج هذا الفتى الذي نشأ وترعرع في المناخ نفسه، والأفق نفسه، كي يعيد انطلاقة الدار التي ذوى بريقها فترة من الزمن؟ الواقع أن جوليان دوسينا ليس المدير الإبداعي لهذه العلامة التجارية فقط، بل مطور وصاحب رؤية طليعية جديدة، علماً بأنه لم يلتق قط بالمصمم الأب رابان، لكنه يتقاسم معه افتتانه بأرض مفعمة بالأساطير وتدعو إلى التأمل. منذ سنتين يعيد جوليان دوسينا ترميم أركان هذه الدار العريقة بنجاح من أجل إعادة انطلاق واسعة في ساحة الموضة، ويرى دوسينا أنه يمكن لأي شخص أن يلخص باكو رابان في بضع كلمات، فهو رجل جاء برأس معدني تتجمد خصيلات الشعر عليه وتتبعثر، وجاء أيضاً بمجوهرات شاعرية على شكل حبّات ثلج من الكريستال البوهيمي والمعدن الفضي. بيئة باكو رابان كان لها حصة في الإكسسوارات التي صممها مثل العقود والأوراق الصغيرة الذهبية كثيفة العدد، ولذا يعتقد دوسينا أنه يجب النظر إلى رابان على أنه رجل الإبداع على منصة العرض، سواء للفرجة أوالمتعة لأنه ابتكر كل ما يدهش النظر. ويشير دوسينا إلى أن حصر رابان بالمعدني شيء محدود ولذا قرر من خلال إعجابه الكبير برابان البحث عن كل مكنونانه لاستكشاف حقيقي لهذا الرجل المبدع، ويعتقد دوسينا أنه ينبغي على المرء التمتع بقدر كبير من النضج لفهم علامة مثل باكو رابان، قامت على يد مصمم أحدث ثورة في سبعينات القرن الماضي مع خطاب هندامي مال دوماً نحو الراديكالية، ثم تحول، نحو الجمالية المستنيرة ذات التوقعات الغريبة. ويرى دوسينا أنه لا بد للمرء من التمتع بأعصاب باردة وقوية كي يحمل مسؤولية اسم تعرض لانتكاسة منذ رحيل مؤسسه في العام 1999، بسبب مجموعة من المصممين غير الموهوبين الذين كانت تنقصهم على ما يبدو الروح الإبداعية. جوليان دوسينا، هذا الشاب ابن ال30 عاماً الذي يبدو عليه أنه لين العريكة ليس بسيطاً، فهو رغم هذا المظهر يبدو حازماً في قراراته ولا تخيفه التحديات. نجم متحفظ بعد أن أطلق دوسينا علامته التجارية الخاصة (آتو) يمكن القول إن نجماً جديداً ولد، لكن جوليان دوسينا المتحفظ بطبعه لم يكن يرغب على الفور الانطلاق نحو مسار لا تشوبه شائبة، لتحويل تواضعه إلى قهقهات عالية، فالجو الذي نشأ فيه على شاطىء البحر وفي قرية لا يزيد عدد سكانها على 400 نسمة، نمت لديه عقلية خاصة تستلهم الإبداع من المكان والزمان، والأحلام، وتجعل المرء يتطلع دوماً إلى حياة سلمية وصحية قائمة على بناء صداقات تستمر مدى الحياة، ويبدو أن دوسينا افتتن بعد قضائه سنوات عدة في ذلك الجيب المعزول والمحافظ بثقافة شبه سرية انبثقت من المدن الكبرى في أواخر التسعينات، وفي هذا الصدد يقول دوسينا: في المحافظات البعيدة يحاول الشباب الحصول على معلومات أكثر بكثير من الشباب المقيم في باريس، أردت أن أعرف ما يدور حولي وكنت أحب جماليات المجلات الإنجليزية، وطلبت من دار بولدو للصحافة تزويدي بمجلات مثل The Face، أوDazed and Confused وحينها لم يكن الأمر سهلاً، كانت تسحرني التعبيرات والمشاهد الحضرية للغاية لأنها مزيج من تأثيرات عدة، وأعترف باهتمامي بالموضة والأزياء من خلال الصورة، لأنني لم أكن أنظر إلى اللباس فقط، بل إلى مضمونه وما يثيره من تعبيرات، وكنت أقرأ كثيراً وأردت معرفة كل شيء عن الهندسة المعمارية أو الفن المعاصر. وفي أسرتي الصغيرة التي أنتمي إليها كانوا يفضلون لي التوجه نحو الفن أو الثقافة. لكن ما إن بدأت سنوات الدراسة حتى أدركت أن الموضة عالمي، ولكن كيف لي ذلك وأنا لم أكن أعرف ماذا يعني أن تكون مصمماً، وكلما رأيت مجموعات العارضات والعارضين يمرون على منصات الأزياء ويرافقهم نجوم الموضة المبدعين كنت أشعر بالخوف. كان هناك العديد من المصممين المشهورين أمثال مارتن مارجيلا ودريس فان نوتن وأوليفيه ذيسكن وغيرهم، وكنت أعشق تلك الذهنية الإبداعية لدى هؤلاء لأنها تقوم بتصميم خطاب موجه عبر الهندام، لكنني رغم ذلك لم أكن أفقه شيئاً في عالم الموضة. في أثناء ذلك وجدت أن جل هؤلاء تخرجوا في بلجيكا، ولذا كان عليّ التوجه سريعاً إلى بروكسل لأنتسب إلى مدرسة لا كامبر، حيث أحسست أخيراً بأن مصيري الإبداعي سيبدأ من هنا. في أثناء دراسته كان دوسينا جريئاً حيث شارك في مهرجان هيير الصيفي للأزياء ونال في العام 2006 جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي كانت ترأسها في ذلك العام المصممة وصاحبة دار الأزياء الشهيرة آن ديمولميستر. إزاء هذا العالم الجديد كان دوسينا لم يزل متحفظا يرتبك ويخاف عندما يرى رواد الموضة يتنقلون فوق منصات العرض كأنهم على سيرك مسرحي. ويقول: تقابلت مع أناس عاديين متحمسين لعملهم ووجدت إجاباتي لديهم، الموضة هي التاريخ الكلي الذي يمكننا أن نتطرق فيه لكل شيء كالرسم والعرض بالإسقاط، وتحديد الحجم والإنتاج والتصميم مع مجموعة العرض، وكذلك الأعمال التجارية ووسائل الإعلام. ويضيف دوسينا: فهمت كل إمكانات هذا العالم وكانت أمور غامضة بالنسبة إلي تحدث في خضمه، ولذا أردت معرفة الأسرار والمفردات المدهشة بين عالم الهوت كوتير والمختبرات. وبكل بساطة، أرسل دوسينا سيرته الذاتية إلى دار بالانسياغا في العام 2007 عن طريق البريد كمتدرب يريد أن يصبح مصمماً في الوقت الذي غادر فيه نيكولا غيسكييه الدار في العام 2012. ويرى دوسينا أن سنوات مرافقته لنيكولا كانت رائعة حيث تعلم منه الكثير، خاصة شدة حرصه على إتقان العمل وكانت هذه المواصفات حسب دوسينا مناسبة بالكامل لطريقته ورؤيته في العمل. البساطة أسلوب حياة الشيء الذي كان يسحر جوليان دوسينا لدى باكو رابان تجديده في الأنماط، ومفهوم اللباس. ففتيات رابان حرصن على عدم تقليد لباس أمهاتهن، كما أن أمهاتهن كن يحلمن بارتداء لباس بناتهن، ويقول دوسينا: لنا فقط أن نتخيل هذا الأمر الثوري فلا شك في أنه كان عصراً مهماً في مفهوم الموضة، وعلينا فقط تذكر صورة جين بيركين وهي تصل إلى كاستل وتمسك بذراع سيرج غينسبور مرتدية فستانها المعدني القصير بجاذبية قوية، فريدة من نوعها، علماً بأنها لم تكن تمتلك شيئاً غريباً خارجاً على المألوف في شخصيتها، لكننا لاحظنا أن بيركين كانت تشعر بالراحة في هذا الزي، وكانت ترقص، وفستانها يتناسب مع مرونة جسمها، كان المشهد قوياً وبسيطاً ويدعو إلى الاسترخاء، وأعتقد أن باكو رابان وظف راديكالية معينة لتخدم حسية معينة مريحة لدى المرأة المفعمة بالأنوثة وهو جانب لا نجده إلا لدى مبدع أصلي هو باكو رابان. وفي هذا الصدد يقول دوسينا: وجدت رابطاً بيني وبين باكو رابان الرمز الذي دعا إلى تطبيق حالة ذهنية وروح إبداعية لإطلاق سراح المرأة بشكل يجعل من ارتدائها للفساتين المعدنية أنوثة بكل معنى الكلمة. ويعتقد دوسينا أن امرأة باكو رابان سيدة عملية ونشطة تذهب من درس اليوغا إلى المكتب بملابس مريحة فضفاضة حتى ولو كانت مشبعة بالقطع المعدنية لأن البساطة في تصميمها جعلتها أسلوباً في الحياة. ويشير إلى أن كل هذه الإمكانات، جعلته يستكشفها بشيء من النهم ، ولذا فإن النجاح على الصعيد التجاري الذي وجده منذ عامين دفعه إلى الاستمرار والمتابعة، مع شعور بإعادة تأهيل اسم يحترمه ويستحق من الجميع تقديراً جديداً. اسم مضى على ظهوره 50 عاماً وكان له باع كبير في تاريخ الموضة الحديثة. في العام 2016 سيتم افتتاح أول متجر لباكو رابان ولكن بروح قديمة مستقبلية، وفية لرئيس عبقري مثل رابان.