اختار حسني بواب ابن بلدة العباسية جنوبي لبنان خطاً فنياً مختلفاً في رسم أفكاره واجترار الجمال الطبيعي في حدائق المنزل. لم تكن موهبته وليدة اللحظة، بل جاءت بعد معاناة قاسية مع الإدمان الذي قضى على نصف عمره، واستطاع عبر الفن أن يهزمه. بين رسم الوشم المهنة التي يعتاش منها، وتصميم الحدائق الطبيعية الذي ينفذها من أغصان الأشجار وحجارة الحقول، وما ترميه سيدات البيوت، يمضي حسين يومه. يحاول أن يكون رقماً صعباً في معادلة صناعة الأفكار الابتكارية التي تحول الموهبة إبداعاً. من لا شيء صنع حسين نفسه، خلق هوية آتية من خلف رماد الإدمان، وعقاب السجن 7 سنوات، وأشغال حرفية تعلمها. فأتقنها، وإن لم ينفذ منها في حديقته شيئاً. سردي على الوردي هو الاسم الذي اختاره حسين لفنه ويقول: إنه الحرية التي كانت بعيدة عني، الإدمان قيدني، وجمد أفكاري. هو الآن في ال 45، له 3 أولاد، يحاول أن يُغير بعضاً من صور حياته التي رسمها داخل غرفة صغيرة محاذية لحديقته، وعلق على جدرانها عبارات وصور وحكم ورقّطها بألوان الغضب. يضيف: أستعملها للوشم، أريد أن أبدل منظومة حياتي. الإدمان صعب، ويدمر، لكنني انقلبت عليه بعلاج من الخل والليمون والحلاوة فنجحت واخترت الفن للانتقال من ضفة الموت إلى الحياة، رغم أننا في مجتمع يعاقب المدمن ولا يحاسب التاجر. لم يكن سهلاً نحت أفكاره، لكن الإرادة والعزيمة جعلا من ضعفه قوة. مسافات طوال يجتازها داخل جبال بلدته ليأتي بالأغصان والأحجار فيما تتوالد الأفكار التي جعلت من حديقته الأشهر في المنطقة، إذ جمع الرمل والتراب والحجر والخيش وغيرها، ونفذها بطريقة متجددة، ويرى أن التغير يبدأ بفكرة معاكسة، طامحاً للإبداع، مسلحاً بالأفكار والموهبة والرؤى. بين أشرطة متدلية وأباريق شاي صنعها من التراب وفخاريات من الرمل وفوانيس من الحجر الصغير، يجتهد حسني بواب، لأن يرمم صورة حياته. يقول: كل ما أريده أن يؤمن الآخر بموهبتي وفني. أملك الكثير من الأفكار المتميزة في تصميم الحدائق، التي تجمع الطبيعة بالجمال. من بين الأفكار، شلال تخرج منه الورود والأشجار، تتربع داخله جلسة بطريقة فنية لم يألفها أحد، وفق ما يؤكد بواب. لا تتوقف أفكاره عند حد معين بل يسعى إلى إقامة أثاث منزله من عيدان الخشب. ويقول: الفن توليد للأفكار، ويعلمك الانقلاب على ظروفك القاسية، من لا شيء أصنع لوحاتي، ولا أنتظر الدعم، فلا يوجد من يفكر في دعم المعتر.. الإشكالية أننا ننادي بالمثالية ولا نطبقها. في تلك الحديقة التي أنجزها بواب، حجارة صغيرة أمضى وقته في جمعها من الجبال ومزج الورد والحبال، مع التراب والرمل والتراث. قلق من الإبداع يقول: لا أحد يؤمن بالموهبة، ما نفذته في حديقة منزلي لا يعدو كونه 2% من رزمة الأفكار التي أملكها. لو كنت خارج لبنان كانت الدولة تلقفت عملي، خصوصاً أنه نابع من ثورة ضد وحشية الإدمان التي أرهقت حياتي. نعم كنت مدمناً واليوم صرت فناناً أبحث عن فرصة، بين كلماته غصة يحولها لوحة، أبنائي الثلاثة يمدوني بالقوة ويؤمنون بأنني سأحقق حلمي يوماً. فلسفة حسين لم تأت من فراغ، يقول: السجن يعلم الكثير، وكيف تفكر بدقة، وتغير ظروفك، وتتأقلم مع كل شيء، شرط ألا تتركه يهزمك وأنا أطبق هذه المعادلة في فني وحياتي. سردي على الوردي اسم يحمل الكثير من المعاني في حديقة حسين، التي يأمل أن تكون مفتاحه الأول نحو الأمل، يحمل أحلامه ومعها مخاوف من انتشار آفة المخدرات أكثر. في الشلال المتدفق تتجسد حكايته، ومن خلف أبواب السجن كتب حكاية تشبه وطنه الغلبة للإرادة، لن أرضخ لتعجرف الناس، سأجعل فني يحكي عني، ولن أترك رأيهم يعيدني إلى ما كنت عليه لكسب رضاهم.