×
محافظة المدينة المنورة

41 ألف حاج يصلون إلى المدينة المنورة

صورة الخبر

ظهيرة العاشر من شهر ذي الحجة.. الشارع الرئيسي في عرفات الذي يطل عليه المستشفى خال من السيارات والمارة. لفحة هواء ساخنة تمر وحيدة وتثير شيئاً من الغبار والضجر في الشارع المقفر. عامل نظافة يظهر بمكنسته ليزيل شيئاً من ذلك الغبار من أمام بوابة المستشفى نصف المغلقة. كل شيء يوحي بهدوء وسكينة كأن الزمن لايتحرك. لكن الوضع كان يختلف كثيراً خلف البوابة، الجميع في حالة ترقب واستعداد للإجراءات المنتظرة، المسؤولون يستمعون بتوتر للأوامر عبر أجهزة اللاسلكي، التي تطالبهم بالاستعداد لاستقبال حالات من مشعر منى، شاشة التلفاز تبث أخباراً عاجلة عن حادثة تدافع حصلت هناك، وأرقام متصاعدة عن سقوط ضحايا ومصابين. الحالة الحمراء أعلنت في جميع مستشفيات ومرافق مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، والمستشفى الذي ودع الحجاج في يوم عمل صاخب أمس في عرفات يستعد الآن لاستقبال عدد منهم من جديد في حدث نادر يحصل لأول مرة. دقائق ويبدأ توافد الحالات على المستشفى، دوي صافرات الإسعاف يصرخ مجلجلاً من بعيد يشق هدوء الشارع الخالي، تنفتح البوابة سريعاً وتبدأ سيارات الإسعاف في التقاطر خلف بعضها بعضا. وفجأة تتحول ساحة المستشفى إلى خلية نحل، ويدرك الجميع من تزاحم سيارات الإسعاف أن الحادثة كبيرة وتحتاج مجهوداً غير عادي لاحتوائها، بادر الجميع بالتقدم إلى ساحة العمل، الجميع بلا استثناء، الأطباء والفنيون والإداريون وحتى عمال النظافة وحراس المستودعات، كلهم يتكاتف بسرعة لإنزال المرضى وإسعافهم، الفريق الطبي يقيم منطقة فرز سريعة، يفحص المريض ويوجهه إلى المنطقة المناسبة حسب خطورة الحالة، يشير الطبيب إلى حامل السرير بعد الفحص، المنطقة الحمراء، المنطقة الصفراء، غرفة ضربات الشمس، غرفة الإنعاش القلبي، العناية المركزة. يمضي المريض سريعاً إلى حيث أمر الطبيب ليستقبله فريق آخر يقوم بباقي المهمة الشاقة. وخلال ساعات متصلة استمرت حتى الفجر كان الجميع يعمل بلا كلل، من يركب المحاليل ومن يضع الأنابيب التنفسية، ومن يأتي بالأدوية، ومن يقوم بتغسيل وتبريد مرضى ضربات الشمس. الجميع يعمل دون توقف ودون صوت تقريباً، زالت كل الاعتبارات والبروتوكولات، زالت كل القيود والفوارق الإدارية، فتجد المدير يدفع العربات والاستشاري يمسح فضلات المرضى من فوق ملابسهم دون أن يطلب مساعدة من أحد. كان هناك ضمن الفريق الصغير أطباء وفنيون أنهوا للتو مناوبتهم لإثنتي عشرة ساعة متصلة ولكنهم واصلوا العمل دون نقاش وبعضهم استمر لأربع وعشرين ساعة دون فترة راحة صغيرة، الجميع كان يساعد الجميع، وينفذ طلبات المرضى وذويهم بود وتعاطف إنساني بالغ. كانت ساعات عصيبة فعلاً، لكنها كشفت عن لمحة نورانية في أبناء هذه البلاد المسلمة، كشفت عن المعدن الحقيقي لأبناء القطاع الصحي وأنهم على قدر المسؤولية وقت الشدائد وأن نظاماً إدارياً يمنحهم التقدير والدافع الإيجابي كفيل بإطلاق تلك الشحنة النورانية لتضيء طوال العام وفي كل وقت. تحية لكل الأبطال الذين أكرمهم الله وشرفهم بالمشاركة في علاج وخدمة ضيوفه، وكل عام وأنتم بخير.