×
محافظة مكة المكرمة

حديقة حيوان في واشنطن تطلق اسم باو باو على باندا نادرة

صورة الخبر

يكشف القبول السهل والرشيق في صحافة «الممانعة الأقلوية» وفي ثقافتها ومزاجها، للدور الذي لعبه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان في موضوع الاتفاق النووي الغربي الإيراني، عن وجه للصراع في المنطقة بدأت ملامحه بالظهور، على رغم ان واقعة القبول شديدة الرمزية ولا قيمة عملية لها. ففيلتمان كان لأشهر قليلة انصرمت شيطان الصهيونية الأكبر، ومن زاره في السفارة الأميركية في بيروت عندما كان سفيراً، أُبيح دمه، وها هي صفحات «فايسبوك» اللبنانية تُعلق سعيدة بالغزل الممانع المستجد بقدرات الرجل وبجاذبيته. ما تكشفه سعادة «الممانعين» بجيفري فيلتمان، أن الصراع مع اسرائيل على الجبهات الأقلوية ليس جوهرياً، وتتقدمه على نحو واضح مصالح السلطة بما هي أداة لحماية المكاسب ولطغيان الحزب الحاكم. وحدث فيلتمان ليس سوى واقعة محدودة التأثير لكنها شديدة الرمزية على هذا الصعيد. و «حزب الله»، وبما أنه خير ممثل للصراع على «الجبهات الأقلوية» بعد تهاوي حزب البعث الحاكم في سورية، سيُدهشنا من الآن وصاعداً بسهولة استدارته نحو موقعه الطبيعي في الصراع، وهو ليس إسرائيل طبعاً، إنما تلك الجبهة الآخذة في التبلور على خط الانقسام المذهبي الذي قسّم المنطقة كلها. وهذا ليس من باب شيطنة الحزب وإدانة سهولة تخليه عن فلسطينـ «ه»، على ما دأب «الممانعون الأكثريون» على فعله، انما من باب مكاشفة النفس بأن خط الانقسام الثقافي والإثني في المنطقة تخطه يد الحاكم المستبد، وتلوذ به لاحقاً أفئدة المتنورين وعقولهم فينتقل فيلتمان في مقالاتهم وصحفهم من شيطان أكبر الى لاعب مرحب به في طهران ودمشق، ولاحقاً في حارة حريك من دون أن يرف جفن للمتباكين على ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية. قبل أيام قليلة حطت طائرة عسكرية أميركية في مطار رياق في البقاع اللبناني ضمن عملية «تبادل خبرات» مع الجيش اللبناني على ما نقلت الصحف. كان لهذا الحدث أن يكون مزلزلاً لو أنه تم قبل سنة. فالبقاع اللبناني، حيث حطت طائرة الجيش الأميركي، عزيز جداً على قلب «حزب الله»، وقريب جداً من الحدود السورية- اللبنانية، والطائرة هذه كان يمكن أن تكون سهماً ساماً يحمل ما لا يطيقه المزاج الممانع من عملاء ومتفجرات، وكان الجيش اللبناني لفترة قصيرة انصرمت مربكاً جداً بالمساعدات الأميركية، لكن هبوط طائرة عسكرية أميركية في منطقة هي في متن وجدان «حزب الله» الطائفي، وقع برداً وسلاماً هذه المرة. لا ينطوي هذا الكلام على تقديس لـ«الصراع» يُراد منه إدانة «حزب الله»، بل على شرح لوظيفة الصراع في الاستبداد، وعلى رغبة في التفكير بالسهولة المُدهشة التي تنتقل فيها «الإيديولوجيا» الصراعية من موقع الى موقع جارّة وراءها نخباً لطالما ثملت وأطربتنا بـ «جوهر الصراع»، فاستبدت واستباحت وخوّنت. نعم، الممانعة الحقيقية ممانعة أكثرية، ومرة أخرى ليس هذا من باب مديح الممانعة ولا من باب مديح الأكثرية، لا بل ربما انطوت هذه المصارحة على خوف أكبر من المضامين الأكثرية للاستبداد. والقول إن الممانعة الفعلية أكثرية في جوهرها يعيدنا الى حقائق ميدانية شهدها الصراع مع اسرائيل في العقود الأربعة الأخيرة. فمقارنة سريعة بين جبهتي الجولان منذ 1974 ولبنان منذ 2006 وبين الجبهتين المصرية والأردنية في أعقاب اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة للسلام تظهر أن الأولى حرب رسمية واستقرار يكفله نظام أقلوي، والثانية سلام بارد وحذر وخوف اسرائيلي جراء حرارة الرغبة في اختراق الحدود. مخاتلة في الحرب في مقابل مخاتلة في السلام. لا يحتاج الأمر إلى وقائع لتأكيده، فالوجدان الأقلي في أصله وفصله يتمحور حول خوف أصلي من الدمج والإقصاء والاستئصال مما خبره جميعه في تاريخه الحديث، و «حزب الله»، وقبله حزب «البعث» السوري، استمد من هذا الخوف عصبية وتولى مَذهبة الخوف وشحنه وربطه بالولي الفقيه، فتارة يرفعه الى مصافي الصراع الأصلي مع اسرائيل بهدف الاستحواذ على مقولة الأكثرية في سياق من التماهي والإدانة في آن، وتارة أخرى يُحوله خوفاً على الوجود، ولكن أيضاً في سياق منافسة الأكثرية على السلطة. أما الوجدان الأكثري فهو بطبيعته ساعٍ إلى بعث السطوة والقدرة المبددتين، وإلى فرض قيمه بصفتها قيم الأمة الأبدية المهددة من عدو خارجي. ووفق هذا المنطق سيكون سهلاً على الإدارة الأميركية إحداث اختراقات كبرى على جبهة «الممانعة الأقلوية». ولعل أكثر ما سيعوقها في سعيها هو الزمن الذي يقتضيه اجراء التحول في الخطاب، وهو عائق نظري لا قيمة له. فالوجه العملاني لـ «البروسيس» سيكون مدهشاً في رشاقته. القابلية الثقافية والسوسيولوجية للسلام مع أنظمة الأقليات أعلى بكثير من القابلية التي تملكها أنظمة قريبة من الإدارة الأميركية لكنها تحكم مجتمعات تسودها ثقافة الأكثرية. الماكينة الثقافية والإعلامية والاقتصادية الهائلة التي كان «حزب الله» أعدها لصراعه مع اسرائيل ومع «حلفائها في الداخل» أبدت بدورها مرونة كبيرة في تحويل وظيفتها الى موقع طائفي ومذهبي شديد الوضوح. المراسلون الصحافيون انتقلوا من جنوب لبنان الى جبال القلمون، ومُحللو الصالونات السياسية والأمنية باشروا عرض صفات جيفري فيلتمان وكفاءاته في المفاوضة، وها هو ميشال عون يمتدح السفير الأميركي الجديد في بيروت معدداً صفاته في الإصغاء وفي عرض وجهة نظر بلاده على نحو مقنع. ليس ما يفعله هؤلاء، في أعقاب الاتفاق النووي، خيانة لقيم أصلية، فهذه السهولة مصدرها تفاوت ثقافي يعيد الصراع الى موقعه الأول. بعد توقيع الاتفاق الإيراني الغربي علقت صديقة على «فايسبوك» متذكرة عبارة «شيعة فيلتمان»، وهو تعبير كان استعمل لإدانة ناشطين شيعة من خصوم «حزب الله» زاروا السفارة الأميركية في بيروت. وفي أعقاب اطلاق هذا التعبير زار فيلتمان طهران والتقى المرشد خامنئي، وبما أن التيمم يَبْطل بوجود الماء، فإن أصدقاءنا، «شيعة فيلتمان»، باتوا أبرياء ما إن وقع المفاوض الإيراني على الاتفاق في جنيف.