×
محافظة المنطقة الشرقية

مدينة تدريب الأمن العام بمكة تحتضن دورة رياضية لأفرع الأمن العام الشهر المقبل

صورة الخبر

في العلاقة بين الغزالي وديكارت، هناك مفارقة لا تخلو من طرافة ومن إثارة دهشة، وتتحدد هذه المفارقة في تلك الصورة المتعارضة، ما بين الغزالي الذي يعد في نظر الكثيرين أنه أطاح بالفلسفة وقوض أركانها، وتسبب في تراجع وجمود الفكر الفلسفي، وفي طمس وانحدار نزعة العقلانية في العالم الإسلامي، وبين ديكارت الذي يعد في نظر الكثيرين أنه مثل فتحا جديدا لعصر الفلسفة، وأسهم في نهضة وتقدم الفكر الفلسفي، وفي إحياء وصعود نزعة العقلانية في العالم الأوروبي. والمفترض من هذه المفارقة أنها تباعد بين الغزالي وديكارت، وتفصل وتفاصل بينهما، وهذا بخلاف الصورة الحاصلة التي جعلت من الممكن المقاربة والموازنة بينهما، ودفعت بالحديث عن أثر وتأثر ديكارت بالغزالي! أمام هذه المفارقة، يمكن الإشارة إلى موقفين، كشفا عن طرق اتجاهات النظر في تفسير وتحليل هذه المفارقة، وهذان الموقفان هما: الموقف الأول: وأشار إليه الدكتور زكي مبارك الذي اعتبر أن ديكارت هو أقرب الفلاسفة شبها بالغزالي، لأنه ارتاب كما ارتاب الغزالي، والفرق بينهما والذي وصفه الدكتور مبارك بالعظيم جدا، تحدد في طريقة الخروج من هذا الشك وهذا الارتياب، فالغزالي خرج من شكه بطريقة لا تصل بأحد إلى يقين، وأنه في تقدير مبارك انهزم أمام شكوكه، ووجد من العبث الاستعانة بالعقل والمنطق للخروج من ظلمات الشكوك، وهذا في نظر مبارك يناقض ما فعله ديكارت للخروج من شكوكه، وعلى هذا الأساس يرى مبارك أن الغزالي كان سببا لجمود الفلسفة في الشرق، في حين كان ديكارت سببا لنهوضها في الغرب. الموقف الثاني: وأشار إليه الدكتور محمود زقزوق، الذي يرى أنه ينبغي النظر إلى موقف الغزالي النقدي من مسائل الفلسفة نظرة عادلة، تضع هذا النقد في مكانه الصحيح، ولا تخلط بينه وبين إنكار الفلسفة من حيث هي فلسفة، ولا يبالغ زقزوق إذا قال إن الغزالي بمنهجه الفلسفي قد تقدم عصره بعدة قرون، ولم يلحقه في أفكاره إلا ديكارت أبو الفلسفة الحديثة. وحسب هذا الموقف، فإن العلاقة بين الغزالي وديكارت هي بين حالتين من حالات التقدم والازدهار الفكري والفلسفي، وليس بين حالتين متعارضتين ومتنافرتين، إحداهما تتسم بالتراجع والجمود، وأخرى تتسم بالتقدم والنهوض. والذي أراه أن لا تأثير لمسألة التقدم والتراجع في نفي العلاقة أو تعارضها بين الغزالي وديكارت، وذلك لأن الفكرة الواحدة يمكن أن يتحدد مصيرها تقدما وتراجعا، صعودا وهبوطا، حياة أو موتا، بحسب البيئة التي تتصل بها وتتفاعل معها، فالبيئة المتراجعة تتراجع فيها الأفكار حتى الأفكار المتقدمة، والبيئة المتقدمة تتقدم فيها الأفكار وتزدهر. almilad@almilad.org للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة