الرياض: عبد الإله الشديد دفع الزحف العمراني النشط الذي تشهده المدن الرئيسة في السعودية، بأسعار العقارات في المحافظات القريبة منها إلى مستويات مرتفعة، في الوقت الذي تسابق فيه الحكومة السعودية الزمن لاحتواء غلاء الأسعار وطرح مشروعات توسعية، إلا أنها لم تلق بظلالها بشكل حقيقي على واقع السوق التي ما زالت في حالة مضطربة نتيجة الارتفاعات المتتالية التي لم تصل سقفا محددا. وبالنسبة للعقارات القريبة من المدن الكبرى، جاء الإقبال على الأراضي المنفردة القريبة من الطرق الرئيسة المؤدية إلى الرياض على رأس العقارات الأكثر طلبا بفارق كبير، خصوصا المزودة بالخدمات الأساسية، حيث قدر متعاملون عقاريون ارتفاع أسعارها خلال السنوات الثلاث الماضية بما يزيد على 100 في المائة، تليها الأراضي الواقعة وسط المحافظات، خصوصا الخرج (60 كيلومترا جنوب الرياض)، وحريملاء (80 كيلومترا شمال الرياض)، والمزاحمية (40 كيلومترا جنوب غربي الرياض)؛ إذ غردت أسعارها خارج السرب، وشهدت حركة تجارية نشطة على عكس أداء القطاع العقاري. وقال عبد الله الزوير، الذي يمتلك عدة عقارات في محافظة حريملاء: «إن قرب المحافظة من الرياض أثر في انتعاش الحركة التجارية والعمرانية، إذ أصبحوا الوجهة الجديدة للمستثمرين العقاريين الذي يتنافسون للظفر بأكبر مساحات ممكنة من المحافظة، خصوصا أن الزحف العمراني يسير بوتيرة متسارعة نحو حريملاء، التي تقترب من الالتصاق بالرياض خلال السنوات العشر المقبلة؛ ما جعلها فرصة ذهبية لمن يرغب في الاستثمار العقاري المستقبلي». وتشهد السوق العقارية السعودية حركة عمرانية كبيرة؛ حيث تعد من أكثر الأسواق نشاطا على مستوى الشرق الأوسط، وينشط في الوقت الحالي كثير من المشروعات العقارية الكبرى، التي ستسهم بشكل مباشر في تقليص أزمة الإسكان التي تعانيها السعودية، وقد أقرت الدولة حزمة من القرارات العاجلة للمساهمة في احتواء الأزمة بأسرع وقت ممكن. وحول أكثر العقارات رغبة في الاقتناء، أشار الزوير إلى أن الأراضي الخام هي الأوفر حظا من بين جميع القطاعات؛ بل إنها تكاد تكون الوحيدة من الأفرع الأكثر طلبا دون منازع، كما أن الإقبال على شراء المزارع والاستراحات الكبيرة يأخذ نصيبا من الحركة النشطة التي تعيشها حريملاء عقاريا، والتي لم تكن حتى عهد قريب مقتصرة تجاريا على البيع والشراء بين أبناء المحافظة الواقعة على بعد 80 كيلومترا شمال الرياض، إلا أن اللاعبين الأساسيين في الوقت الحالي هم المستثمرون من خارج المنطقة، الذين يرون في حريملاء وجهة تجارية مقبلة، وأنها على موعد مع الازدهار قريبا. وفي الصلة ذاتها، كشف حمد الجعيدي، مستثمر عقاري بمحافظة الخرج، عن أن أسعار الأراضي في الخرج والدلم (60 كيلومترا جنوب الرياض) ارتفعت خلال السنوات الثلاث الماضية إلى ما يزيد على 100 في المائة على ما كانت عليه؛ بسبب اتجاه المشترين إلى محافظتهم؛ خصوصا المناطق القريبة من الشارع الرئيس المؤدي إلى الرياض، لافتا إلى أن المشترين من القادمين من خارج المحافظة أسهموا بشكل كبير في ارتفاع الأسعار، خصوصا أن ما يفصلهم عن العاصمة لا يتجاوز مسافة سير نصف ساعة، وأن الذهاب من الخرج إلى الرياض أقرب من الذهاب من بعض أحياء جنوب الرياض إلى شمالها. وأضاف: «كان سعر المتر المربع في أرقى أحياء الخرج قبل 5 سنوات لا يتجاوز 500 ريال في أسوأ الأحوال، إلا أن نسبة الطلب على الأراضي دفعت الأسعار إلى الجنون، وقيمة الأراضي في الخرج قريبة جدا من مثيلاتها في الرياض، وتصل في بعض الأحيان إلى 1000 ريال للمتر المربع الواحد»، لافتا إلى أن هناك توافدا من سكان الرياض للإقامة بمحافظة الخرج؛ نظرا لقربها وانسيابية الحركة المرورية فيها. يشار إلى أن السعودية موعودة بعهد جديد من فرص التملك والبناء؛ ما أهلها لاحتلال مكانة متقدمة بين الدول، من حيث تزايد المشروعات العقارية الإنشائية، خصوصا أن الحكومة تسعى جاهدة لتسهيل تملك المواطنين المساكن؛ ما ينبئ عن مشروعات إضافية ضخمة وطفرة عمرانية مرتقبة ستعيد إلى السوق توازنها وتضعها في وضعها الطبيعي. وفي الصلة ذاتها، أوضح فهد المقبل، مستثمر عقاري بمحافظة المزاحمية (40 كيلومترا جنوب الرياض)، أن المحافظة أصبحت ملاصقة للرياض إن لم تكن جزءا منها، لافتا إلى أن الذهاب إلى العاصمة بشكل يومي أصبح عادة لدى معظم السكان المحليين، حيث إن الطريق الجديد والاهتمام بالمحافظة سهل عملية الذهاب والعودة من الرياض وإليها؛ ما فتح أعين الراغبين في تملك المساكن والمزارع التي تشتهر بها المزاحمية، من قبل سكان العاصمة الذين يتهافتون على الشراء؛ ما دفع الأسعار للارتفاع بشكل كبير لم تعتده السوق المحلية منذ نشأتها. وأردف المقبل قائلا: «تكاد تكون المزاحمية مشابهة لما آلت إليه محافظة الدرعية التي أصبحت الآن أحد أحياء الرياض»، لافتا إلى أنه يتوقع هذا الأمر خلال السنوات الخمس المقبلة، شريطة أن يستمر الإقبال الحالي على ما هو عليه، فرغم تذمر شريحة من سكان المحافظة من تزايد الأسعار التي ضربت العقار، فإن هناك فئة لا بأس بها استفادت من هذه الطفرة، وبدأت عرض مساحات شاسعة للبيع أو للاستثمار. يذكر أن الاتجار بالعقارات، خصوصا الأراضي المفردة في السعودية، يعد الملاذ الآمن للاستثمار، كما أنه الخيار الوحيد ذو الربح الوفير؛ لذلك لم تشهد السوق العقارية المحلية نكسات في أسعارها؛ ما أهلها لتكون محل ثقة كثير من المستثمرين الذين يراهنون على ذلك بوضع أموالهم في المشروعات العقارية بشكل عام.