مخيم السوريين في حج هذا العام كان يشبه سوريا ما بعد الثورة نفسها، بقصصها وحكاياتها النادرة والمبكية، في مخيم السوريين اجتمع أكثر من 12 ألف سوري 7500 منهم من اللاجئين الذين نزحوا خارج بلدانهم بسبب الحرب الدائرة هناك. «الشرق الأوسط» حصلت على ثلاث من قصص أولئك الحجاج السوريين، كان أولهم رجل امتلك المال الذي يعطيه الفرصة الكافية للجوء في أي من البلدان الأوروبية التي يقف على أعتابها مئات الآلاف من السوريين، إلا أنه فضل أن يذهب إلى الحج بدلاً من الهجرة إلى أوروبا ذلك ما فعله علاء قطيش. يقول علاء قطيش إنه فضل أن يخصص تلك الأموال التي جمعها للقدوم إلى الحج بين مئات الآلاف من المسلمين اللاجئين في حمى الرحمن هنا، ليس لأجل الحج فقط، وإنما ليكون بجانب المنظر الذي رآه مرة واحدة في حياته قبل أن يفقد بصره وهو في السادسة من عمره. علاء الذي كان طالبًا في كلية الشريعة في جامعة دمشق سابقًا، فقد بصره لكنه لم يفقد بصيرته التي تأخذه في كل مرة إلى البيت العتيق، رغم أنه يعاني ما يعانيه من آلام اللجوء في مخيم الزعتري المخصص للاجئين السوريين في المملكة الأردنية. كانت المرة الوحيدة التي قام خلالها بزيارة بيت الله العتيق قبل ذلك هي عندما كان طفلاً حيث يتذكر شكل الكعبة المشرفة جيدًا، وأصر على بذل الغالي والنفيس من أجل أن يكون بقربها مستقبلاً، وقال: «لقد حققت حلمي وسأقوم بالعودة إلى الأردن مباشرة بعد ذلك». وعن آلامه الشخصية يقول قطيش لـ«الشرق الأوسط»: «أتيت إلى البقاع المقدسة، ولكن أرجو أن تكون عودتي إلى بلدي سوريا حيث إنني مؤذن وإمام لأحد مساجد مدينة درعا عاصمة الثورة السورية، ولا بديل لي سوى مخيم الزعتري في الأردن». وفي زاوية أخرى من زوايا المخيم السوري الذي يشبه الثورة، تأتي قصة حاج سوري آخر يدعى هشام العسلي، تسببت الحرب الدائرة في بلاده منذ أربع سنوات في خسارته رجليه التي يمشي عليهما بعد قصف طال منزله في مدينة جوبر. وتسبب القصف الذي تعرض له منزل الحاج هشام العسلي في جوبر في سوريا باستشهاد أفراد عائلته، وحول ذلك يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد نجم عن الصاروخ الذي أصاب منزلي مع استشهاد أفراد عائلتي إصابة قال الأطباء إن من الصعب بل وشبه المستحيل أن أنجو منها، لكن إرادة الله جل وعلا قضت أن أنجو ولله الحمد بعد أن رأى الأطباء بتر كلتا رجلي». ومما يزيد من معاناة العسلي سكنه في إسطنبول التركية، حيث إنه وحيد لا معين له، ومن المعروف أن لإسطنبول تضاريس صعبة مليئة بالمرتفعات والمنخفضات، وهو ما يصعب من تنقلاته هناك. ويروي ذوي العسلي أنه رفض أن ينفق الأموال التي لديه في أي رحلة لجوء حيث إن الأولوية بالنسبة له هي رحلة الحج رغم الغموض الذي يلف مستقبل الكثير من السوريين هذه الأيام. أما ثالثة الأثافي في ذلك المخيم، فقصة «خنساء الحج» وهي امرأة سورية تدعى حسنة الحريري، وتنتمي كعلاء إلى درعا عاصمة الثورة السورية، حيث فقدت هذه المرأة أبناءها وزوجها بالإضافة إلى أزواج بناتها في الأحداث الحالية في سوريا، وقد أتت من مخيمات اللجوء في الأردن أيضًا. وتشعر «خنساء الحج» بالحزن على ما آلت إليه الأمور في بلادها وعلى ما جرى معها هي شخصيًا وهي المرأة الثكلى والأرملة بفعل الأحداث في بلادها. ولا تلقب حسنة بأم الشهداء فقط، وإنما أم الثوار أيضًا، وذلك لفرط شجاعتها في أيام الثورة الأولى التي لم يكن قد خرج على نظام بشار الأسد الكثير من السوريين بعد، حيث كانت تؤوي الكثير من الثوار وتحميهم في بيتها. وقد تسبب لها ذلك بالكثير من الآلام حيث ذاقت إلى جانب مرارة النزوح والترمل والثكل، مرارة أخرى هي مرارة السجن، إذ قام النظام السوري بتغييبها لمدة عام في الاعتقال الذي أخذ الكثير من الثوار السوريين.