تستقطب المطاعم الأطفال بشكل كبير، إذ إن هذه الفئة العمرية لا تعي مدى الخطورة في تلك الوجبات، فتكون الرغبة لدى الطفل هي من تقوده لتلك الوجبات لا العقل والفهم الصحيح، وتشتد الخطورة حينما يرتبط في ذهن الطفل اللعب والترفيه والحصول على الهدايا بمطاعم الوجبات السريعة، ومن هنا فإنه من الضروري أن يتم إيقاف الأسلوب الدعائي الممنهج من قبل شركات تلك المطاعم للوجبات السريعة، كما أنه من الأهمية بمكان إدراج صنف معين ضمن أصناف تلك المطاعم خاص بوجبات الأطفال يكون بحال أفضل مما هو عليه الحال الآن، بحيث تتنوع هذه الوجبات، وتكون مشتملة على المواد والعناصر الغذائية الضرورية لصحة الطفل، ومن ذلك الألياف والفيتامينات والمعادن، إلى جانب التقليل من المقليات والمشروبات الغازية، وكذلك توضيح السعرات الحرارية لكل صنف من تلك الأصناف بشكل إلزامي. وكانت دراسة أمريكية نشرت هذا العام أشارت إلى أن أقل من (1%) من وجبات الأطفال تطابق المعايير الغذائية التي يوصي بها "المعهد الطبي الأمريكي" لفئة الأطفال، وهو ما يعني أن (9%) من وجبات الأطفال غير مطابقة لتلك المعايير، وهذا بالنسبة لدولة يُطبق فيها نظام صحي ورقابي غذائي صارم، ولكن ماذا عن بلادنا العربية؟. وفي العام (2010م) صوت مسؤولو مدينة "سان فرانسيسكو" لصالح قانون يحظر على المطاعم وضع لعب مجانية في الوجبات غير الصحية للأطفال، وهو أسلوب يغري الكثير منهم لشراء وجبة "هابي ميل" الغنية بالدهون من مطاعم للوجبات السريعة, ووافق مجلس إدارة المشرفين في المدينة على القانون الذي يسمح بتقديم هدايا صديقة للطفل فقط في الوجبات التي تحتوي على كميات مخفضة من الصوديوم والدهون ومحتوى السكر، والتي تشتمل على فواكه وخضراوات، وحينها قال "إريك مار" -أحد أعضاء المجلس- بعد إقرار القانون الذي حظي بموافقة ثمانية أعضاء مقابل رفض ثلاثة:"هذا نصر عظيم لصحة أطفالنا". وشهد القرار معارضة كبيرة من سلسلة مطاعم مشهورة للوجبات السريعة إلا أنه أخذ مجراه الطبيعي في التنفيذ. وكانت "الجمعية الخيرية للتوعية الصحية" دعت في وقت سابق إلى مواجهة هذا الطوفان من الترويج والتسويق للأطعمة والمشروبات غير الصحية للأطفال عبر عمل مشترك وتكاملي بين القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، مطالبة القطاعات الحكومية، وفي مقدمتها "هيئة الغذاء والدواء" و"وزارة الصحة" و"وزارة التجارة" بممارسة دورها في الحد من هذا العبث المقنن لتلك الشركات بصحة أطفالنا، وأن تتكاتف تلك الجهات لوضع لوائح وأنظمة صارمة لمنعها من الترويج والتسويق للأطعمة غير الصحية بشتى الصور، بما في ذلك منع توزيع الهدايا والكتيبات والقصص، ومطالبتهم بإيجاد البدائل الصحية للوجبات، إلى جانب تبني برامج مشتركة لتوعية المجتمع بهذا الجانب وفق أطر منهجية. وأضافت أن على "مجلس الشورى" أن يمارس دوره في هذا الجانب، وأن يضع المطالبة بصنع اللوائح والأنظمة التي تعزز صحة الناشئة وتدرأ عنهم الأضرار الصحية في صلب أجندته، خاصة أننا مجتمع فتي ترتفع فيه نسبة الأطفال والشباب. ومن أبرز اللوائح والأنظمة التي تطالب بها الجمعية عرض البطاقة الغذائية للوجبات ونسبة احتوائها من السعرات الحرارية والدهون والسكريات والملح ومقارنة ذلك باحتياج الطفل اليومي منها، إلى جانب إيقاف بيع المشروبات الغازية والمشروبات السكرية مع وجبات الأطفال واستبدالها بمشروبات صحية، وكذلك توفير بدائل صحية للوجبات، وتوفير خيارات من الفواكه والخضار بشكل أوسع للأطفال، والترويج لها وتسويقها بنفس الطرق المتبعة للأطعمة غير الصحية. كما دعت الجمعية "وزارة الثقافة والإعلام" إلى منع أي إعلانات للأطعمة أو المشروبات غير الصحية الموجهة للأطفال والمراهقين، والإفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، كما دعت الإعلاميين وكتاب الرأي إلى تسليط الضوء على هذا الشأن الذي يمس شريحة حساسة وهامة وواسعة من المجتمع، مطالبة شركات المطاعم ومصانع الأطعمة والمشروبات بممارسة مسؤوليتهم الاجتماعية بصدق وأمانة تجاه المجتمع وصحته، داعية تلك المطاعم والمصانع للتواصل معها؛ لتبني مبادرات تعمل على توفير البدائل الصحية للأطفال، وتبني سياسات ولوائح تعزز التغذية السليمة للطفل. وطالبت الجمعية المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية بتفعيل دورها في إجراء البحوث والدراسات المعنية بمعرفة طرق وسلوك تلك الشركات في الترويج والتسويق لمنتجاتها للأطفال، ومدى انتشار ذلك وتأثيره عليهم. ويبقى السؤال في هذه الحالة عن الوضع الصحي لدينا، فهل نجد قرارات من الجهات الصحية والرقابية والتشريعية لوضع صحة اطفالنا فوق كل اعتبار؟. مواد أرخص في البداية حذر "د. محمود عبدالرحمن بن محمود" -رئيس قسم الصحة العامة بكلية الطب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- من أسلوب استهداف مطاعم الوجبات السريعة للأطفال عن طريق الألعاب والهدايا، مشيراً إلى أن ذلك ربما جعل الطفل ينجذب إلى منتجات هذه المطاعم ويعزف عن تناول الغذاء الصحي المتوازن، مضيفاً أن معظم هذه الأغذية تشتمل على سعرات حرارية عالية، إلى جانب أن مكوناتها تحتوي على زيادة عالية في نسبة الدهون والمواد منخفضة القيمة الصحية، والتي قد تصل إلى (85%) من المنتج، علاوة على طرق الطهي غير السليمة التي تتم عادة بتكرار استخدام الزيوت واختيار المواد الأرخص، إلى جانب مشكلات النظافة بشكل عام. وأضاف أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بطبيعة الهدايا والألعاب المقدمة، فبالرغم من أنها في ظاهرها للتسلية، إلا أنها غالباً ما تكون من النوعيات الرخيصة التي تفتقر إلى شروط السلامة وتدخل في صناعتها مواد كيميائية ضارة عند تداولها بأيدي الأطفال، مضيفاً أنها عندما تصل إلى أفواههم فإنها تمتص في الجسم، إلى جانب أنها تتكون من جزيئات صغيرة سهلة الكسر قد يبتلعها الطفل بطريق الخطأ. أساليب جاذبة وأوضح "حمدان الشمراني" -أخصائي تغذية علاجية- أن الوجبات السريعة شر لابد منه في عصرنا المدني، خاصة في ظل بعد أماكن العمل أو الدراسة حيث الحاجة ملحة هنا لتناول المأكولات الجاهزة، وقال :"نشهد ظاهرة انتشار المطاعم بشكل واسع، خاصة مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة في العديد من الأحياء السكنية والأماكن العامة وأماكن ترفيه الأطفال والمولات، مع ما يرافق ذلك من هدايا لجذب الأطفال"، مشيراً إلى أنها تتبع أساليب جاذبة وتنوعاً في الطرح؛ لاستقطاب الأطفال والمراهقين، إلى جانب تخصيص أركان للترفيه داخل أروقتها. وأضاف أن هناك دراسة أشارت إلى أن أغلب الأطفال والبالغين الذين اعتادوا على تناول الوجبات السريعة بشكل متكرر لديهم نقص في بعض الفيتامينات والمعادن الهامة التي تفتقدها تلك الوجبات، موضحاً أن الوجبات السريعة من الممكن أن تصيب الأطفال بخلل في الحركة الطبيعية للأمعاء يؤدي إلى الإمساك ومشكلات في عملية الامتصاص، مشيراً إلى أنه ثبت علمياً أن تناول الوجبات السريعة أكثر من مرتين أسبوعياً يزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكر، حيث تزداد مقاومة الجسم للأنسولين، لافتاً إلى أن المشروبات الغازية المحلاة ترتبط بداء السكر من النوع الثاني وأمراض القلب، إلى جانب أنها تصيب الأطفال بخمول العقل وترهُّل الجسم وزيادة الكسل. استقطاب الأطفال والمراهقين وقال "الشمراني":"نجحت العديد من مطاعم الوجبات السريعة في تنويع وسائلها الدعائية؛ لاستقطاب الاطفال والمراهقين، عن طريق توزيع الهدايا المتنوعة للأطفال، ووضع اللوحات الدعائية التي تُروِّج لبعض الوجبات بأسعار مناسبة عند الإشارات المرورية، إلى جانب تخصيص أماكن بين أروقتها للعب والترفيه بتزويدها بعض الألعاب الالكترونية والحركية، وكذلك وضع بالونات متنوعة بأشكال وألوان لافتة ومحببة عند الأطفال، إضافة إلى تعليق العديد من الملصقات لشخصيات كرتونية ومشاهير اللاعبين، خاصة في مناسبات الأعياد والإجازات. مواد ضارة وقال "د. عبدالرحمن بن يحيى القحطاني" -أمين عام الجمعية الخيرية للتوعية الصحية "حياتنا"، وخبير تعزيز الصحة-:"أعتقد أن الوضع لدينا أسوأ مما هو عليه الحال في أمريكا والدول الأوروبية، وهو مؤشر ينذر بخطورة الوضع على صحة الناشئة"، مضيفاً أن العديد من أطعمة الوجبات السريعة أو الخفيفة بما في ذلك وجبات "البرجر" و"البيتزا" وقطع الدجاج "النجتز" والمشروبات السكرية، وغيرها تحتوي على نسب عالية من المواد الضارة بالجسم، كارتفاع نسبة الدهون أو السكريات أو كليهما إضافة إلى الملح. وبيَّن أن إفراط الأطفال أو المراهقين في تناول هذه الأطعمة سيكون له تبعات صحية سلبية، سواءً على المدى القريب، ومن ذلك السمنة ومضاعفاتها، وفرط ضغط الدم، ومقاومة الأنسولين، أو على المدى البعيد، ومن ذلك احتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة عند الكبر، مشيراً إلى أننا بتنا نشهد إصابة بعض الأطفال بأمراض مزمنة لم نكن نعهدها من قبل، كالإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وهو ما يصيب الكبار غالباً، إلى جانب الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية في أعمار مبكرة لا تتجاوز (30) عاماً. وكشف عن أن نسبة انتشار زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال والشباب في الفئة العمرية (5-18) سنة تقارب (35%) في "المملكة"، مضيفاً أن هذا يعني أن واحداً من كل ثلاثة أطفال يعاني من زيادة وزن أو سمنة، كما أن الدراسات المحلية أثبتت وجود تزايد في معدل زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال خلال العقود الأخيرة، مؤكداً على أن ارتفاع نسبة زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال تُعد أحد أخطر مهددات الصحة العامة في "المملكة"، مشيراً إلى أن الترويج والتسويق للأطعمة والمشروبات غير الصحية يمثل تهديداً لصحة الناشئة، كما أن تمادي تلك الشركات قد يُجهض العديد من المبادرات الرامية إلى الحد من السمنة التي تنفذها القطاعات الصحية، في ظل إنفاق مطاعم الشركات العالمية ومصانع الأطعمة والمشروبات الملايين سنوياً على الإعلانات الموجهة للطفل. وأضاف أن هذه الشركات تسعى إلى صنع ما يسمى بالولاء للمُنْتَج، عبر الإعلانات المباشرة أو غير المباشرة في "التلفزيون" و"المجلات" أو ما يسمى بوضع المنتج "Product placement"، إذ يتم فيها إدخال شعار الشركة ومنتجاتها في الأفلام وألعاب الأطفال والهدايا والملابس، كما تشمل أساليب الترويج والتسويق أنشطة الدعاية والرعاية للأنشطة والأعمال الخيرية، واستخدام المشاهير والشخصيات الكرتونية، مشيراً إلى أن العديد من الدراسات أثبتت وجود براهين واضحة بين مشاهدة الإعلانات التلفزيونية لأطعمة الوجبات السريعة والحلويات والأطعمة الخفيفة والمشروبات غير الصحية واختيار الأطفال لها أو شرائها. وأشار إلى أن إحدى الدراسات الغربية أثبتت أن (98%) من إعلانات الأطعمة التي يشاهدها الطفل تمثل إعلانات لأطعمة غنية بالدهون والسكريات والملح، مضيفاً أنه عند الحديث عن الإعلانات والترويج للأطفال فلا بد من الإشارة إلى نقطة جوهرية، وهي أن الطفل في الفئة العمرية أقل من ثماني سنوات يفتقد إلى القدرة على التمييز بين الإعلان التجاري الذي يشاهده وأي محتوى آخر غير تجاري، مع التركيز على الدعاية الكبيرة التي تقدمها هذه المطاعم في التسويق لأغذيتها على الأطفال عبر البرامج والألعاب الإلكترونية.