«أيام تنظيم داعش معدودة، فلا تلتحقوا به». بهذه الكلمات تحدث الجنرال غوردون ماسنجر، نائب رئيس أركان القوات المسلحة البريطانية، في مقابلة مع «الحياة» بمقر وزارة الدفاع في لندن، بمناسبة مرور سنة على مشاركة بلاده في الحرب ضد هذا التنظيم المتشدد الذي أعلن «خلافة» في مناطق سيطرته في كل من العراق وسورية. ولكن كيف يُعقل أن يكون كلام الجنرال صحيحاً حين يواصل «داعش» تمدده في هذين البلدين على رغم سنة من الغارات التي تنهال عليه من طائرات تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ويضم 62 بلداً؟ يرد ماسنجر على هذا التشكيك بالقول: «لا أريد أن أقول إن الوضع ممتاز، ولكننا حققنا انجازاً أساسياً يتمثّل في أن «داعش» لم يعد قوة عملانية لها سيطرة استراتيجية على الأرض. قبل سنة من الآن كان هناك خطر على بغداد وأربيل أن تسقط بأيدي «داعش». ومنذ أن تدخلنا، هذا الخطر تم تلافيه إلى حد كبير. وفي بعض الحالات، تقلّص انتشار «داعش» نتيجة هزائم تكتيكية. وفي تقديرنا أنهم (عناصر التنظيم) يسيطرون الآن على مساحة تقل بما بين 25 إلى 30 في المئة من المساحة التي كانوا يسيطرون عليها قبل عام، وقد حصل ذلك نتيجة نجاحات الأكراد في سورية والعراق وأيضاً نجاحات قوات الأمن العراقية». ويقر ماسنجر بأن «داعش» يحقق تقدماً في بعض المناطق، مشيراً إلى سيطرته على الرمادي في العراق وتدمر في سورية. لكنه يؤكد أن هذا التقدم «تكتيكي وليس استراتيجياً... فنحن منذ شهور بتنا في حالة تقدم وتراجع تكتيكي مثلما حصل في الرمادي وتدمر... وحتى في بيجي قوات الأمن العراقية ما زالت تحت ضغط كبير ولا استطيع أن أقول انهم استطاعوا تأمينها. ولكن ما أصفه بأنه اندفاعة عملانية استراتيجية كالتي كانت لدى «داعش» قبل سنة، هذه تم وقفها، والآن نحن في حال تقدم وتراجع تكتيكي». ويوضح أن البريطانيين يقومون بتدريب قوات الأمن العراقية في أربع قواعد عسكرية: واحدة في أربيل (كردستان) وواحدة في الأنبار، واثنتان في ضواحي بغداد. ويقول إن قرار استعادة المناطق من سيطرة «داعش» في العراق أمر تقرره الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، موضحاً أنها هي من قرر أن «الأولوية» تعود إلى تحرير مناطق غرب بغداد (مثل الفلوجة والرمادي) قبل الانتقال إلى الموصل (نينوى)، مقراً بأن هناك تعقيدات كبيرة تعرقل عملية الموصل بعضها يرتبط بأن المدينة تقع على خط تداخل بين كردستان وبقية العراق وبعضها يرتبط بضخامة المدينة وكثافتها السكانية وكونها مدينة سنّية بينما القوات التي ستشارك في عملية تحريرها تضم شيعة عراقيين ينضوون في إطار ما يُعرف بفصائل «الحشد الشعبي». ونفى ماسنجر أن تكون الانتصارات التي تحققت حتى الآن في العراق تمت فقط على أيدي مقاتلي الحشد المرتبطين بإيران، قائلاً إن «عناصر الحشد الشعبي غير المرتبط بإيران أظهروا أنهم مقاتلون أشداء، كما أن قوات الأمن العراقية كانت الأكثر صلابة عندما ننظر إلى القوات التي تخوض القتال الأساسي ضد داعش». وعما يجب أن يُتوقع من الحملة ضد «داعش» في عامها الثاني، قال ماسنجر إن هناك وسيلتين أساسيتين في الحملة: تتمثّل الأولى في سحب البساط الأيديولوجي من تحت أقدام «داعش» وهذا يتم من خلال البلدان الإسلامية التي تشارك في الحملة بما في ذلك «كل البلدان العربية»، أما الوسيلة الثانية فتتم من خلال «التصدي لزعم «داعش» أنه يسيطر على الأرض. واستراتيجيتنا في هذا المجال تعتمد على تدريب وتطوير ودعم قوات أمنية محلية للقيام بمهمة طرد «داعش» من مناطق سيطرته. وهذا يعني تطوير قدرات قوات الأمن العراقية. أما في سورية فالأمر أكثر تعقيداً لأن ليست لدينا علاقة بقوات النظام ولكننا نقوم بتدريب قوات المعارضة المعتدلة ودعم وحدات حماية الشعب الكردية من أجل مواجهة داعش». وأقر بأن بريطانيا لا تتفق مع تركيا في توصيفها لوحدات الحماية الكردية بأنها إرهابية، قائلاً: «إننا نعتبرهم شركاء شرعيين في القتال ضد «داعش»، وهم حصلوا على دعم جوي أميركي على وجه الخصوص أولاً خلال دفاعهم عن كوباني (عين العرب) وثانياً خلال تقدمهم شرقاً نحو الحدود العراقية (الحسكة) والى حد ما جنوباً (الرقة)». وقال إن لا تغيير أساسياً في الاستراتيجية الأميركية للتصدي لـ «داعش»، موضحاً أن «الاستراتيجية كانت جازمة منذ البداية بأن علينا حل قضية «داعش» في العراق قبل أن ننتقل الى سورية. إذن الاولوية كانت للعراق ولكن مع ممارسة الضغط على «داعش» في سورية. الذي يحصل الآن أننا نرى فرصاً تكتيكية أكبر لضرب «داعش» في سورية، ونحن في داخل التحالف مصممون على استغلال هذه الفرص، ولكن لا أعتقد ان هذا يعني اننا نغيّر من اعتبار أن الأولولية للعراق». وسُئل عن رغبة بريطانيا في مد عملياتها لتشمل سورية في حين أن أجواء هذا البلد صارت اليوم «مزدحمة» بعد نشر الروس طائراتهم هناك أيضاً، فأجاب: «إننا نراقب ما يقوم به الروس، وأهم شيء في ما يقومون به هو أن لا يحصل تضارب (دي كونفليكت) بيننا وبينهم. لا نريد أن لا نفهم نيات بعضنا فيؤدي ذلك إلى تبعات غير محسوبة العواقب... واعتقد أن الأميركيين يحبذون إقامة إتصال عسكري - عسكري مع الروس لتفادي ذلك». وتابع: «أما بالنسبة إلى مسلكنا تجاه سورية فالأمر يعود في النهاية إلى البرلمان (إذا أقر توسيع المهمة)، ولكن من وجهة نظر عسكرية فإن توسيع الحملة ضد «داعش» لتشمل سورية له معنى. عدونا الأساسي هو «داعش»، وفي العراق لدينا الإذن بضرب التنظيم حيثما وجد وحيث لا تكون هناك خطورة لحصول أضرار جانبية عند ضربه. ولذلك من المفيد أن يتم مد ذلك إلى حيث يكون «داعش» موجوداً في سورية فنمارس الضغط عليه في المكان الذي يعتقد انه آمن فيه». وحذّر البريطانيين الذين يفكرون بالالتحاق بـ «داعش» في العراق وسورية، علماً أن عدد هؤلاء يتجاوز 700 وقد بدأت طائرات بريطانية بلا طيار في استهدافهم أخيراً داخل سورية حيث تم قتل الشابين رياض خان (21 سنة) وروحل أمين (26 سنة) بغارة على سيارتهما في الرقة. وقال ماسنجر متوجهاً إلى هؤلاء: «أقول لهم إن أيام «داعش» معدودة. الأكيد أن الضغط يتصاعد على قيادة التنظيم من كل الجهات. أيامه باتت معدودة. لا تصدقوا ما يقولون لكم على ملصقاتهم الدعائية. لا تذهبوا، فلا حصانة لكم هناك». وكان البرلمان البريطاني أقر في 26 أيلول (سبتمبر) 2014 مشاركة بريطانيا في ضرب «داعش» في العراق، ومنذ ذلك الوقت شاركت طائرات من طرازي «تورنيدو» و «ريبر» مزودة صواريخ عالية الدقة من نوع «بريمستون» و «هلفاير» و «بايفوايز» بنحو 300 غارة وأكثر من 1300 مهمة، إضافة إلى استخدام طائرات تجسس ترصد تحركات التنظيم تمهيداً لتوجيه ضربات له (مُددت هذه المهمة أمس حتى 2016). كما نشرت بريطانيا قرابة 800 جندي في المنطقة حيث يشارك بعضهم في مهمات تدريب قوات الأمن العراقية والكردية.