في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة، يبدو واضحًا أن السوريين، من أهل الثورة، لا يملكون الآن، جميعًا، وعلى اختلاف انتماءاتهم وآرائهم، إلا أن يسابقوا الزمن. ما من حاجةٍ للحديث في التفاصيل. ولا نؤمن، ابتداءً، أن ثمة من يعرف، على وجه الدقة دلالات تلك التغييرات، وما الذي سيحدثُ تاليًا. فالدعاياتُ المُضللة تبدو سيدة الموقف من جهة، وعمليةُ (التدافع) السنني لا تزال، على ما يظهر، في أوجها، من جهةٍ ثانية. لكن الظرف لا يسمح، في جميع الأحوال، بالركون إلى (المُعتاد) من الممارسات والمواقف وطريقة العمل السائدة بين السوريين. ومرةً أخرى، كأنه قدرٌ من الله غالِب. فإذ يُدرك السوريون أنهم بشر، يحلمون بأن يقف إلى جانبهم في مسيرتهم نحو الحرية إخوةٌ في الدين والعروبة والإنسانية. ولأنهم بشر، يجهرون بحلمهم ذاك بين آونةٍ وأخرى. لكنهم يجدون أنفسهم كمن يصرخ في صحراء مُقفرة. لا نريد التعميم في هذا المقام، فثمة من يُقدّم المساعدة بصمتٍ وهدوء. لكنّ الوقائع والأحداث تُظهر يوماً بعد يوم أن سقوط النظام السوري بمعناه الحقيقي لن يحصل في النهاية ما لم (يُقرر) السوريون ذلك، بعملهم، وليس بالكلام. للتاريخ، وللدراسة في لحظات اتخاذ القرار الحساسة بالنسبة للسوريين، نُذكِّرُ بالسؤال الذي طرحه كوفي عنان عام 2001 عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة على أطراف النظام الدولي، وتشكّلت للإجابة عليه لجنة خاصة باسم اللجنة العالمية للتدخل العسكري والسيادة الوطنية: «إذا كان التدخل العسكري لحماية حقوق الإنسان تعدياً على السيادة الوطنية للدولة ذات العلاقة، كيف يمكن لنا أن نتعامل مع إمكانية وجود راوندا جديدة أو سريبربنتسا أخرى، حيث يجري انتهاك منظّم ومنهحي لحقوق الإنسان بشكلٍ يتناقض مع كل مبدأ من مبادئ بشريتنا المشتركة؟». وبناءً على نتائج عمل اللجنة العالمية، أعلنت الأمم المتحدة عام 2005 مبادرةً أسمتها (مسؤولية الحماية). تتألف هذه المبادرة من مجموعة مبادىء تمّ بناؤها على قاعدة أن السيادة الوطنية ليست (حقًا) وإنما هي (مسؤولية) بالدرجة الأولى. ركّزت المبادرة على محاولة منع حصول أربع جرائم أو وقفها في حال حدوثها وهي: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي. أما المرتكزات الثلاثة الرئيسة لمبدأ الحق في الحماية فقد وُضعت كالتالي: أولًا، إن كل دولة مسؤولة عن حماية مواطنيها وسكانها من أي مذابح جماعية. ثانياً، يتحمل المجتمع الدولي عبء مساعدة أي دولة للوفاء بتلك المسؤولية الأساسية. ثالثًا، إذا أخفقت الدولة في حماية مواطنيها من المذابح الجماعية وأخفقت المساعي السلمية، فإن المسؤولية تقع على المجتمع الدولي للتدخل بأساليب قاهرة مثل العقوبات الاقتصادية، ويُعتبر التدخل العسكري الملاذ الأخير للتعامل مع الموضوع. وفي التاسع من شهر آب عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية بأشهر، قدم بان كي مون، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، تقريرًا للجمعية العامة بعنوان «الإنذار المبكر: التقويم ومسؤولية الحماية» كجزء من متابعة الجمعية العامة لتطبيق هذا المفهوم. في هذا التقرير سلّط الأمين العام الضوء على آليات التقويم والإنذار المبكر الموجودة في نظام الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وتحدث عن بعض النواقص، ثم قام بتقديم مقترحات لتحسين قدرة الهيئة الدولية لاستعمال معلومات الإنذار المبكر بشكلٍ فعال، بما يتضمن تقارير من ضباط المواقع الميدانيين، وصولًا إلى تطوير آليات استجابة مبكرة ومرنة ومتوازنة في أي حالةٍ يبدو فيها خطر حصول واحدةٍ من الجرائم المذكورة. أين كل هذا من نظامٍ دولي يشاهد، دون مبالاة، ولقرابة خمس سنوات، حصول الجرائم الأربعة معًا، يرتكبُها النظام ضد شعبه في سوريا: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي؟ بأسفٍ أو بغير أسف، الجواب معروف. وأمام المشهد البشع الراهن يصبح خيار السوريين ممارسةٌ واحدة قد تبدو من قبيل (الكليشيهات) أو المثاليات: اجتماع كلمتهم وإرادتهم. ببساطة، لأن البديل هو التيهُ أو الطوفان. waelmerza@hotmail.com