للمرة الثانية على التوالي، يُشارك رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بديلاً عن رئيس الجمهورية نظرا لاستمرار الشغور الرئاسي منذ مايو (أيار) 2014. إلا أن المعطيات التي رافقت مشاركته الأولى ليست نفسها المعطيات المتوافرة اليوم، والتي توحي بأن دائرة المرشحين لرئاسة الجمهورية باتت تضيق بعد انطلاق البحث بأوصاف الرئيس على طاولة الحوار الوطني التي يدفع راعيها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي باتجاه «سلّة» حلول متكاملة تشمل الرئاسة وقانون الانتخاب وغيرها من الملفات. ولقد توصّل رؤساء الكتل النيابية خلال جلستي الحوار الثانية والثالثة إلى «شبه اتفاق» على وجوب احترام الدستور في عملية انتخاب الرئيس، مما أطاح، وفق قوى «14 آذار» بطرح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أن تجري هذه العملية مباشرة من الشعب، ومما أدّى تلقائيا، حسب “قوى «8 آذار» لتراجع حظوظ مرشحي الفئة الأولى الذين يتطلب انتخابهم تعديلاً دستوريًا، وهذا ما ينطبق بالتحديد، على قائد الجيش جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وعليه، في حال إسقاط اسمي قهوجي وسلامة من لائحة مرشحي الرئاسة، تضيق دائرة المرشحين الجديين لتضم عون والوزير السابق جان عبيد ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، علما أن قوى «14 آذار» تصرّ على أن الظروف الحالية التي تمر بها البلاد تُسقط إمكانية انتخاب رئيس محسوب وبشكل مباشر عليها أو على قوى «8 آذار». وفي هذا السياق، أوضحت مصادر مواكبة لطاولة الحوار من قوى «8 آذار» أنّه جرى التوافق في الجلستين الأخيرتين للأقطاب ورؤساء الكتل على تحديد أوصاف الرئيس المقبل للبلاد على أن يصار على أساسها إلى استبعاد أسماء بعض المرشحين. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كما يمكن الحديث عن شبه إجماع على استبعاد المرشحين الذين يتطلب انتخابهم تعديل الدستور». بدورها، أشارت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الاتفاق العام هو على التمسك بالدستور في الانتخابات الرئاسية، علما أن ما يعنينا وبشكل أساسي في هذا الاتفاق رفض اقتراح انتخاب الرئيس من الشعب، أما وبما يتعلق بموضوع موظفي الفئة الأولى فلرئيس المجلس النيابي وجهة نظر تقول إنّه لا لزوم لتعديل دستوري لانتخاب موظف من الفئة الأولى في حال أمكن التوصل لاتفاق سياسي حوله». وتابعت المصادر «نحن كقوى (14 آذار) نفضل عدم تعديل الدستور كل مرة لانتخاب رئيس، ونسعى للدفع باتجاه الاتفاق على مرشح لا يتعرض مع الشروط الدستورية، ولكننا لا شك لن نعرقل أي حل سياسي للأزمة يتفق عليه جميع الفرقاء». وعكست مواقف مختلف الكتل السياسية الاتفاق الضمني الحاصل على وجوب التمسّك بعدم تعديل الدستور في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وهو ما عبّر عنه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل حين شدّد أخيرًا على أن أي حل للرئاسة يمر بالدستور اللبناني. وأظهرت المداخلة التي قام بها النائب ميشال عون في الجلسة الأخيرة للحوار والتي لم يتطرق فيها لطرح انتخاب رئيس من الشعب، أنّه اقتنع بعدم إمكانية مرور اقتراحه هذا، مما اضطره للدفع باتجاه اتفاق على قانون جديد للانتخاب تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة التي يسعى لأن تجرى قبل الانتخابات الرئاسية. وأوضحت مصادر مقربة من الرئيس برّي أن ما يدفع باتجاهه رئيس البرلمان، راعي الحوار، ويؤيده فيه عدد كبير من رؤساء الكتل هو السعي لاتفاق على سلة حلول متكاملة تشمل بشكل خاص الرئاسة وقانون الانتخاب، وأضافت: «إذا ما حصل اتفاق على بند قبل آخر فذلك لا يضر، حتى ولو كانت الأولوية للملف الرئاسي». ولفتت المصادر إلى وجوب أن يلاقي السياسيون المتحاورون مطالب الحركة الشعبية وأبرزها إقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية، مستطردة «نحن لا نسعى من خلال الطاولة للاتفاق على مجمل تفاصيل القانون إنما على الآلية، أي تحديد ماهية القانون، نسبي أو أكثري، كما عدد الدوائر ليُحال بعدها الاتفاق إلى اللجان النيابية المشتركة لإخراجه بصيغته النهائية». في هذا الإطار، يتزامن الحراك الداخلي لحل الأزمة الرئاسية مع حراك دولي من المتوقع أن يكتسب زخمًا أكبر قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان والتي لم يتم تحديد موعدها النهائي بعد. لكن على الرغم من الأجواء الإيجابية التي لفحت الجلسة الحوارية الأخيرة وما يوحي بقرب حل الأزمة الرئاسية استنادا إلى التطورات التي تشهدها الأزمة السورية، لا يزال فريقا «8 آذار» و«14 آذار» يسعيان لرفع سقف المطالب في لعبة تحسين شروط التفاوض، وهو ما ينتهجه وبشكل خاص حزب الله من خلال إصراره بالعلن على دعم ترشيح عون للرئاسة. وفي هذا الإطار، اعتبر الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، أن المسؤولية والضرورة الوطنية الملحة تفرض على جميع اللبنانيين المسارعة لإيجاد مخارج لهذه الأزمة من خلال انتخاب المرشح الأقوى وطنيًا ومسيحيًا لرئاسة الجمهورية ألا وهو العماد ميشال عون. وتابع قاووق في تصريح له قبل يومين: «هذا هو الطريق الأقصر والأقرب لحل الأزمة السياسية الراهنة، وإن كان يؤسفنا أن هناك من يراهن على تقطيع الوقت بانتظار متغيرات في المنطقة».