كشفت مصادر وزارية عن الأسباب التي حالت دون أن يتوصل أقطاب الحوار الستة في اجتماعهم الذي أعقب انتهاء جلسة الحوار الثالثة الثلثاء الماضي، إلى اتفاق أولي، ينطلق من تسوية تجمع بين ترقية ثلاثة ضباط في الجيش اللبناني، من رتبة عميد إلى رتبة لواء، من بينهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، وبين إعادة تفعيل العمل الحكومي من خلال تأمين انتظام انعقاد جلسات مجلس الوزراء في صورة دائمة. وقالت المصادر لـ «الحياة» إن الدعوة لهذا اللقاء جاءت منقوصة وكان يفترض على الأقل دعوة رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل ونائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، في ضوء ما كان يتردد بأنه لا يحبذ هذه الترقية لئلا تؤدي إلى التلاعب بالهيكلية التنظيمية للمؤسسة العسكرية. ولفتت المصادر نفسها إلى أن الدعوة لهذا اللقاء افتقدت إلى التحضير لها وهذا ما ظهر جلياً من خلال الاعتراض عليها من قبل وزراء اللقاء التشاوري، وعددهم 8 وزراء، يجتمعون من حين لآخر في حضور الرئيس ميشال سليمان، وكان يمكن التريث في توجيهها ريثما يصار إلى تبديد الاعتراضات، خصوصاً أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح»، العماد ميشال عون الذي بدا وكأنه الممثل المسيحي الوحيد، اشترط تأمين الإجماع بموافقة مجلس الوزراء على الترقية أي يريد أن يمنع أي طرف مشارك في الحكومة من الاعتراض عليها. وأكدت أن إمكانية إقناع «الكتائب» بالموافقة على الترقية كانت قائمة، وقالت إن موقفه كان أقل اعتراضاً من موقف الوزراء المحسوبين على الرئيس سليمان ويمكن تذليله من خلال فتح قنوات الاتصال معه، لكن استبعاده عن اللقاء السداسي أشعره بأن لا حاجة لموافقته وأن الترقية سترى النور سواء أيد وزراؤه الترقية في مجلس الوزراء أو اعترضوا عليها. ورأت المصادر عينها أن ما ينطبق على «الكتائب» في هذا الخصوص يسري أيضاً على الوزيرين المستقلين المنتميين إلى «قوى 14 آذار» وهما بطرس حرب وميشال فرعون، لا سيما أن اللقاء تميز بمشاركة أكثر من قوة وازنة لـ «قوى 8 آذار»، إضافة إلى أنه حصر التمثيل المسيحي بالعماد عون من دون أي حضور لمسيحيي «14 آذار». وقالت أن الرئيس بري هو صاحب الدعوة، وأنه أبلغ الأقطاب الخمسة على انفراد وفور دخولهم الى قاعة الحوار، بأن لديه رغبة في عقد هذا اللقاء. وكشفت أن رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة كان بادر قبل تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، الى الاتصال بعدد من القيادات مقترحاً عليهم أن يشمل التأجيل بعض الضباط، ومنهم روكز، «بغية أن تأتي المبادرة منا بدلاً من أن تكون مفروضة علينا»، وأن الرئيس سليمان أيّده في مسعاه، «لكنها توقفت في مكان آخر نفضّل عدم الدخول في التفاصيل لتفادي الانجرار الى سجال نحن في غنى عنه». ولاحظت هذه المصادر أن المشهد السياسي الذي أظهره اللقاء السداسي كاد يعطي انطباعاً بأن «14 آذار» منقسمة على حالها، وأن في «المستقبل» أكثر من رأي، بينما اتسم تصرف «8 آذار» بالتماسك، خصوصاً أن هناك من حاول أن يضع اللوم على رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة على خلفية أنه أعاق الوصول إلى تسوية تتعلق بترقية الضباط الثلاثة. واعتبرت أن تريث السنيورة في توضيح موقفه إلى ما بعد انتهاء اجتماع كتلة «المستقبل» دفع ببعض الأطراف إلى استغلاله، متهمة إياه بأنه هو الذي قطع الطريق على الوصول إلى «تسوية تاريخية» من شأنها أن تخرج البلد من حال الجمود والانقسام نتيجة تعطيل جلسات مجلس الوزراء وإقفال الباب أمام التشريع في المجلس النيابي. وفي هذا السياق، سألت المصادر عن سبب محاولة تحميل السنيورة فشل اللقاء السداسي، مع أنه كان أيد هذه الترقية واقترح إعادة العمل بالمفاعيل الدستورية في مجلس الوزراء ليكون في وسعه التصويت لمصلحتها؟ انتقائية واستنسابية كما سألت المصادر عن الجهة التي تتحمل مسؤولية الخلل في اختيار أسماء الضباط الثلاثة المرشحين للترقية، وهل كانت تعلم أن ترتيب العميد روكز من بين لائحة العمداء من الموارنة يأتي في المركز الرابع عشر وهذا ما يثير حفيظة زملائه من لرتبة نفسها ويمكن أن يفتح الباب أمام الطعن فيه بذريعة اللجوء إلى الانتقائية والاستنسابية في ترقيته هو أو غيره من الضباط؟ وقالت المصادر الوزارية إنه كان يفترض أن يحاط أركان اللقاء السداسي بهذه المعلومات ليكونوا على بينة من أمرهم لدى انصرافهم إلى حسم مسألة الترقية، خصوصاً أن عون وحلفاءه يصرّون على تأمين إجماع أعضاء الحكومة ليصبح نافذاً. وأوضحت أن رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط أيد الترقية وكان يفضل أن تمر بدءاً من «اللقاء السداسي» وانتهاء بمجلس الوزراء، وقالت إنه كلف وزير الصحة وائل أبو فاعور لتسويقها ظناً منه أن البلد لا يحتمل استمرار الفراغ، في ظل تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد في المدى المنظور وربما لفترة طويلة، وبالتالي لا بد من إحداث صدمة في مكان ما لوقف الانهيار وإعادة تفعيل دور المؤسسات، لا سيما البرلمان ومجلس الوزراء، وإلا فإن الانتظار ريثما يتم انتخاب الرئيس سيكون قاتلاً للبلد مع أن المسؤولية تقع على عاتق من يؤخر انتخابه. وأكدت أن السنيورة لم يعترض على الترقية لكنه لا يحبذ أن يكون من الساعين إلى تسويقها لدى الأطراف التي ما زالت تعترض عليها. وقالت إن رئيس الحكومة تمام سلام أكد في اللقاء السداسي أنه يدعم على بياض بلا أي تردد ما يتم الاتفاق عليه. لكن السنيورة رأى - وفق هذه المصادر - ن تأييد الترقية بإجماع أعضاء الحكومة غير متوافر في الوقت الحاضر، في ظل وجود من يعترض عليها وطرح أمام أركان اللقاء إعادة المفاعيل الدستورية لمجلس الوزراء. وبكلام آخر، اعتبر السنيورة أنه بإعادة هذه المفاعيل على قاعدة تصويب اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء كما كان قائماً في خلال وجود رئيس الجمهورية، أي أن القرارات العادية تتخذ بموافقة نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، بينما السيادية، الكبرى منها تتطلب موافقة أكثرية الثلثين وبالتالي يمكن تمرير الترقية في المجلس بموافقة النصف زائداً واحداً. لكن موقف السنيورة قوبل بالرفض من جانب عون وحلفائه الذين أصروا على ترقية الضباط بإجماع أعضاء الحكومة، في مقابل حقهم في ممارسة «الفيتو» في مجلس الوزارء ومصادرة صلاحية رئيسه في وضع جدول أعماله أو في طرح بنود من خارجه، إضافة إلى الاعتراض على نشر القرارات الصادرة عن المجلس في الجريدة الرسمية، ما اضطر سلام إلى الطلب من الأمانة العامة لرئاسة الوزراء تجميد نشرها في مقابل تعهد وزراء عون وحلفائه و «حزب الله» بحضور الجلسات. أين مسؤولية السنيورة؟ وكان السنيورة من وراء طلبه تمرير ترقية الضباط الثلاثة في مجلس الوزراء بأكثرية النصف زائداً واحداً، يعرف جيداً أن هناك من يعارضها لكن عون ومن معه يصرون على الجمع بين الأضداد تحت سقف واحد في الحكومة، أي أنه يسمح لنفسه بممارسة حق «الفيتو»، ويمنع هذا الحق من الآخرين ويشترط عليهم تأمين الإجماع لمصلحة هذه الترقية. لذلك، فإن تحميل السنيورة مسؤولية إعاقة الترقية - كما تقول المصادر الوزارية - ليس في محله،ل أن هناك بين المشاركين في اللقاء السداسي من يصر على عدم تأمين التلازم بين الترقية وآلية العمل في مجلس الوزراء، أي أنه يريد أن يأخذ من دون أن يعطي، مع أن الإقرار بهذا التلازم يسمح لرئيس الحكومة بأن يطرح الترقية من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء في حال أصر وزير الدفاع على اعتراضه وفضل أن ينأى بنفسه عن إدراجها بناء لاقتراحه كما جرت العادة. ويبقى السؤال، كيف سيتصرف رئيس المجلس نبيه بري في ثلاثية الحوار التي تستمر على امتداد الثلثاء والأربعاء والخميس في 6 و7 و8 تشرين الأول (اكتوبر) في حال أن الترقية ظلت عالقة ولم تحسم، مع أنه صاحب بال طويل في تدوير الزوايا ويحرص على تبرير استمرار الحوار، بمعاودة جلسات مجلس الوزراء وبفتح أبواب التشريع في البرلمان ليرد بذلك على من سارع مع توجيه الدعوة لطاولة الحوار إلى القول بعدم جدواه. وهذا السؤال أيضاً يوجه إلى رئيس الحكومة الذي أكد في اللقاء السداسي تأييده لكل ما يجمع عليه المشاركون فيه، لكنه لم يتحرك في اتجاه من يعارض الترقية بسبب تجاهلهم أو لأسباب أخرى في محاولة لإقناعهم بتعديل موقفهم أو إزالة تحفظهم عليها، مع أنه بارك تحرك أبو فاعور بطلب من جنبلاط في هذا الخصوص، وبالتالي كيف سيرد في حال أن الأجواء السياسية لم تسمح بعقد جلسة للحكومة قبل العودة إلى الحوار في ثلاثية «ماراتونية» وهل يمكن للبلد أن يستمر من تعطيل إلى آخر؟