طغت هموم اللبنانيين على فرحتهم بحلول عيد الأضحى المبارك. وإذا كانت نجاة الحجاج منهم من أي إصابة بحادث التدافع الذي حصل اثناء تأديتهم المناسك اول من امس، خفّفت من مصائبهم، فإن احزاناً شابت العيد بالبكاء على عشرات الشبان الذين غصت بهم المدافن في ضاحية بيروت الجنوبية ومناطق البقاع والجنوب وقضوا في قتالهم ضمن صفوف «حزب الله» في سورية، وكما تجلّت غضباً لا يزال كامناً من فشل السلطة في معالجة أبسط مطالبهم. وهذه المسألة كانت محور خطب العيد، مثلما كانت المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية الى جانب الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى. ويبقى أن عشرات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان استقبلوا العيد بمرارة خففت منها فرحة صغارهم بمظاهره. < طمأنت البعثة الرسمية اللبنانية الى الحج الى ان «لا اصابات في صفوف الحجاج اللبنانيين، والجميع نزل من منى بخير». وتابع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أوضاع الحجاج اللبنانيين، وأجرى للغاية، وفق مكتبه الإعلامي «اتصالات مع الجهات المعنية ومسؤولي البعثات اللبنانيين مطمئناً الى سلامة الحجاج وصحتهم». دريان: احذروا التطرف وأمّ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان صلاة العيد في مسجد محمد الأمين في قلب بيروت، في حضور رئيس الحكومة تمام سلام، النائب محمد قباني ممثلاً الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، كما حضر وزير العدل أشرف ريفي والنائبان عماد الحوت وعمار حوري، السفير المصري محمد بدر الدين زايد، أمين سر قيادة حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات على رأس وفد فلسطيني، ممثل حركة «حماس» في لبنان علي بركة، وحشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية والعسكرية. وتوقف دريان في خطبة العيد عند «ما يُصيبُ المسجد الأقصى والقُدْس وفلسطين على أيْدي الصهاينة المغْتصبين». وشدد على أن «منذُ قيام الكيان الصهيوني المغتصب على أرض فلسطين، بدأ الاستيلاءُ وبدأ التهجيرُ والإخراجُ من الديار، قاسمُونا على المسجد الإبراهيمي بالخليل، وها هُم يُريدون هدْم الأقصى أو اقْتسامه، لا يستطيعُ العربيُّ والمسلمُ بحُكم الكرامة الإنسانية، والحرية وحُرُمات المعابد، وحب الأوطان، أنْ يُسلم لعصابات المتطرفين والمسْتوطنين مساجدهُ أو أرضهُ، وعلى رأْس المقدسات المسجدُ الأقصى». ونبّه إلى أن «الاعتداءات الإسرائيلية الصهيونية على المسجد الأقصى وسائر المقدسات والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين ومساكنهم، كُلُّ ذلك يدْفعُ باتجاه التطرُّف، ولا بُد من التحرُّك الجاد والسريع منْ جانب الحُكومات والمنظمات العربية والإسلامية والمحافل الدولية لوقْف الاعتداءات الصهيونية الإرهابية على الأقصى والقُدْس وفلسطين، حتى لا يتسلق على قضية فلسطين منْ يُسيءُ إليها باسم الدين». وعن الأزمة السياسية اللبنانية، قال دريان: «ما عُدْتُ أدري متى عادت العملياتُ القيصريةُ إلى انتخاب رئيس الجمهورية؟ والذي أعْرفُه ويعرفُه اللبنانيون، أن الأزمات السياسية تتلاحقُ وتتكاثرُ وتتعطلُ المؤسسات، ويتعذرُ انتخابُ رئيس كما يتعذرُ تسييرُ الحكومة وتفعيلُ البرلمان. المؤسساتُ تتفكك ولا نمو في الاقتصاد والصناعُّيون والتُّجارُ يُحذرون منْ خنْق وسط بيروت وقلْبها بالحراكات الشعبية وغير الشعبية، ونحنُ جميعاً خائفون على الوطن والدولة والجُمهورية». وأكّد الحاجة إلى «إدارةٍ صالحةٍ للشأْن العام. إن أفظع ما يمكنُ أنْ يُصيبنا ضياعُ مفْهوم «الشرعية الدُّستورية» بسبب كثرة الاقتراحات المتناقضة والصُّراخ في الشارع وكُلُّه منْ خارج الدُّستور. ألا تخشوْن أيها اللبنانيون أن يحدُث عندنا ما حدث ويحْدُثُ في بعْض دُول الجوار، وسط نذْر الفوْضى والعجْز المستحْكم وضيق الآفاق وانسداداتها؟ ألا تخْشوْن أن تُصبح الهجرةُ ولو إلى الموت أهون من البقاء في وطن الأرز الشامخ، والنموذج الناجح للعالم العربي الحديث؟». ودعا دريان «إلى اعتماد قواعد أساسيةٍ ثابتةٍ لحل القضايا العالقة في لبنان والتي ينُوءُ بها كاهلُ الوطن والمواطنين، وأُولى تلك القواعد: الحرصُ على الشرعية وأن الحُلول لا يُمْكنُ أنْ تحصُل إلا منْ ضمن الدستور وإجماعات اللبنانيين وعيشهمُ المشترك. وثانيةُ تلك القواعد: أنه لا حُلُول إلا بالحوار والتوافُق ضمن المؤسسات القائمة وهي الحكومةُ والمجلسُ النيابي، وثالثةُ القواعد: أن الواجب الأول لهاتين المؤسستين الإقدامُ على انتخاب رئيسٍ للجمهورية منْ ضمْن الرُّوح التوافُقيّ والانفتاح والوطنية، لأن رئيس الجمهورية رمزُ وحدة البلاد والمؤتمنُ على الدُّستور ومؤسساته ولنْ يستقيم الوضعُ الوطنيّ إلا بوجوده وفاعليته وهذه الرغبة في ملء الفراغ وتجنُّبُ تداعي المؤسسات رغبةٌ عربيةٌ ودوْلية وحاجةٌ وضرورةٌ وطنية». وشدّد على أنه «لنْ تستقيم أمورُ بلدنا إلا بالحوار والتلاقي وعودة الثقة بين بعْضنا بعضاً والابتعاد عن المواقف التصعيدية والخطابات النارية التي تُؤثرُ في مُجتمعنا في تفاقُم الخلافات. فينبغي أن نكون مرنين في التعاطي لحل الأمور السياسية والاجتماعية والمعيشية وعلينا الابتعادُ عن كل الخلافات التي تُؤثرُ في حياة اللبنانيين وألا نظلم الحكومة وعلينا أن نقف إلى جانبها وندْعمها في الظروف الصعبة التي يمُرُّ بها وطنُنا، وعلينا جميعاً أنْ نعود إلى رُشْدنا لكي يبْقى الوطنُ وتبقى دولتُه». زيارة ضريح الحريري وتوجه المفتي دريان والنائب قباني والنواب إلى ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري وتلوا الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار. وكان الرئيس سلام اصطحب مفتي الجمهورية من منزله صباحاً إلى مسجد الأمين يرافقهما قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي في موكب رسمي. قبلان: الحاجة لوحدة الكلمة وأدى نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ عبد الأمير قبلان صلاة العيد في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وقال في خطبته: «علينا أن نكون يداً واحدة وعصبة واحدة في مواجهة المؤامرات والتحديات ضد اعداء الدين وضد الإرهاب». وأضاف: «نعيش في لبنان المعاناة في الظرف السياسي الصعب حيث البعد عن الحقيقة. ونطالب الشعب اللبناني والمسؤولين بأن يكونوا في خندق المواجهة ضد العدو الإسرائيلي وضد الأرهاب التكفيري فنواجه الإجرام والتضليل والفساد والمنكر. لبنان في حاجة إلى وحدة الكلمة، فنبادر لننتخب رئيساً للجمهورية متوافقاً عليه، يكون أباً للشعب اللبناني ولكل المواطنين وعلينا أن نكون في خندق المواجهة ضد العدو الإسرائيلي الذي ينتهك الحرمات ويضرب القدس الشريف بغية تهديم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم عندهم، ما يحتم علينا أن نعيد النظر في كل توجهاتنا وأعمالنا فننقذ فلسطين ومقدساتها وندعم شعبها وننصر قضيتها». وقال: «هذا الوطن الذي نعتز ونفتحر به علينا أن نحفظ مؤسساته وشعبه. ونطالب السياسيين بأن يتعاونوا ويتفقوا لتكون طاولة الحوار مثالاً ساطعاً بالخير والتواصل. إن لبنان في حاجة الى الحوار وعلينا أن ندعمه ونصحح الأخطاء والانحرافات لنكون مع لبنان الواحد الموحد المعتمد على الشفافية والعلم والمعرفة. وفي حاجة إلى أن نكون عصبة واحدة عاملة للخير والبر والتقوى، لا سيما أننا نعيش ازمات كثيرة منها الأضاليل والاعتداءات الصهيونية التي ترتكبها إسرائيل ضد الأقصى والقدس، ما يحتم أن نكون متعاونين متضامنين لإنقاذ القدس فنحفظها ونحافظ عليها وندعم شعبها». الشعار: الفوضى والأمن وألقى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار خطبة العيد في المسجد المنصوري الكبير في طرابلس، ورأى فيها أن «أيام الأضحى المبارك تمر علينا وبلدنا يسوده الهرج والمرج وتعمه الفوضى وتغتال فيه القيم السياسية والإنسانية والاجتماعية وتارة الدينية، إن مظاهر الفوضى تؤرّق أمن الدولة والمجتمع والوطن والمواطنين، وهي غريبة عن ثقافتنا وأخلاقنا وعيشنا الوطني، ولا أظن أنها ستحقق خيراً لمن صدق إنتماؤه لوطنه، إنها مظاهر تتخذ من بعض الحقوق والمطالب معابر للخراب والدمار واستهداف المؤسسات لتعطيلها وتفشيلها وتحنيطها». ورأى أن الذي يحدث على أرض لبنان «عبر التظاهرات والاعتصامات أكبر بكثير وأخطر بكثير من كل المطالب المرفوعة، ولكم كان فخرنا واعتزازنا لو أن هذه الجموع وأضعافها نزلت إلى الشارع لمطالبة الكتل النيابية وسائر المسؤولين بالمسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد بوصلة التوازن إلى مكانها وتنشط مؤسسات الدولة لحلحلة مشاكل المواطنين». واعتبر «ان الاستمرار في هذه التظاهرات التي خرجت عن حدود الانتظام العام هو اعتداء على الديموقراطية وقرصنة للقوانين المرعية الإجراء». وطالب «كل إخواني على أرض الوطن على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والسياسية والحزبية أن يخافوا الله في وطنهم وأن يسلكوا الكلمة الهادئة والهادفة والوسيلة التي تليق بقيمهم الوطنية وثقافتهم الإنسانية وأن يقدموا مصلحة الوطن على المصالح الحزبية والمذهبية والذاتية»، محذراً «من غرق سفينة الوطن لأن الغرق يصيب الجميع، وحذار ألف مرة من الشعارات المذهبية والطائفية فإنها حارقة مدمرة لا تبقي ولا تذر ولا يسلم منها أحد، هذه صرخة وحرقة ولوعة أسكبها في ضميركم أيها المسؤولون وفي عقولكم وآذانكم أيها المعتصمون والمتظاهرون». وسأل: «كيف ينام العالم الإسلامي والعربي والأقصى جريح يصرخ وينادي وامعتصماه». وقال: «إن كل الذي يحدث في عالمنا العربي والإسلامي في سورية والعراق، واليمن وتونس وليبيا، إنما الغاية منه أن يشغل العالم الإسلامي والعربي عن فلسطين والقدس والأقصى، حتى تهدأ إسرائيل وتطمئن وحتى تقوى وتتمكن وحتى يغفل العالم كله عن أحداث ومآسي الأرض المحتلة والمغتصبة فتنبهوا أيها الناس وانهضوا من غفلتكم وغفوتكم واستشعروا مسؤولياتكم وتيقنوا أن خلاصكم بوحدتكم وأن عزكم بدينكم وعودتكم إلى ربكم، وأن أمنكم واستقراركم بنبذكم الظلم بكل أشكاله فالذين آمنوا ولم يدنسوا إيمانهم بظلم أؤلئك لهم الأمن وهم مهتدون». حسن: نفتقر إلى الرئيس وأمّ شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الصلاة في مقام الأمير عبدالله التنوخي في عبيه، بمشاركة فاعليات روحية ورسمية من أبناء الطائفة. وقال في خطبته: «تعصف بنا رياح عاتية، خلافاتنا تتفاقم، وصفوفنا تتشتت، والبنى الوطنية التي بالكاد أقمناها منذ عهد الاستقلال باتت على قاب قوسين من الانهيار. والأوطان التي ارتفعت راياتها فوق نسيجٍ اجتماعي مؤتلف تتمزق تحت تهديدات أخطار كبرى لا يرى لها أفق. ويبقى الأمر الأساس الذي يجب ألا ينساه أحد هو أن التجاذبات العقيمة بين مختلف القوى السياسية عطلت دور مؤسسات الحكم منذ سنوات». وأكّد أن «الأوطان لا تقوم بلا مؤسسات دستورية، من هنا نجدد تأييدنا حكومة الرئيس سلام ودورها في هذه المرحلة الدقيقة مع كل الدعم لقيادة الجيش والمؤسسات الأمنية لجهودهم وتضحياتهم، ونطالب بفصل الموضوع الأمني عن الأمور السياسية». وقال: «صورة لبنان في الداخل والخارج تفتقر إلى رئيس للبلاد يقودها ويمثلها ويحافظ على دستورها، نطالب بانتخاب رئيس توافقي للجمهورية. لبنان يفتقر الى إدارة عجلة مؤسساته الدستورية عند كل استحقاق، تبقى طاولة الحوار المنفذ الوحيد لمعالجة الإشكالات المعقدة والمسائل المصيرية. صورة لبنان اليوم تفتقر الى الأمن الصحي، فلبناننا امام أزمة تلوث وأمراض، والتجاذب الحاصل على صحة كل مواطن أمر خطير لا تحمد عقباه». وأضاف: «نتفهم المطالب لحياة كريمة ولكن؟ يليق بلبنان البقاء موحداً جامعاً قوياً لا يمكن أن يبنى وفق خريطة مرقعة من التسويات المرتبطة بالمصالح والمحاصصات الطائفية. كنا دائماً نحذر من مغبة التهاون والاستهتار بالروح الميثاقية التي كان من شأن الحفاظ عليها أن يبعث الحياة قوية في نظامنا الديموقراطي. وما زلنا نحذر قائلين إن العودة إلى تلك الروح، بصدق وإخلاص، كفيلة بإيجاد المخارج إلى فسحة الحلول، من دون أن ننسى غصة الأسرى». وتوقف عند «المحن التي تصيب سورية والعراق واليمن وليبيا من دون أن ننسى فلسطين وشعبها المظلوم التي كوته الأمم بنارها طيلة قرن من الزمان الى يومنا هذا ومأساتها الى ازدياد والمسجد الأقصى كما بقية المقدسات يتعرض لأبشع أنواع الاعتداءات نسأل الله أن يثبت قلوب الأجيال الطالعة في سماحة الإيمان ووجهه الرحيم العادل لأنهم الأمل الذي سيبقي راية الحق مرتفعة إلى يوم الدين. ونسأله أن يعيده على وطننا وأمتنا بخير وسلام، إنه هو السميع المجيب».