×
محافظة حائل

حج / الكعبة المشرَّفة ، اختلاف الأزمنة وثبات التعظيم / إضافة ثالثة

صورة الخبر

وأخيراً صدر بيان ال 33 دولة ضد البحرين خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثلاثين لمجلس حقوق الإنسان المكوَّن من 47 دولة والتي عُقدت يوم الإثنين الماضي، وهو البيان الذي قادته اسماً سويسرا دولة المال والاقتصاد وكعبة الخليجين والعرب أصحاب الثروات الطائلة والتي تخلَّت عن حياديتها لترفع الرايات السياسية والحقوقية بدلاً من رايات المال والاقتصاد لتنحاز بشكل واضح وغير مسبوق ومع سبق الإصرار وتقود عدة بيانات ضد البحرين صدر الأول في يونيو 2012م ووقَّعت عليه 27 دولة من الدول المؤلَّف منها مجلس حقوق الإنسان والأخير في 14 سبتمبر 2015م وهو البيان الذي رفضته البحرين واعتبرت إنه: يُتَّخذ ذريعة من قبل المتطرفين لاستمرار دورة العنف والإرهاب، ولا يعكس واقع الحال في مملكة البحرين. ويتضح للأسف الشديد من البيان الأخير وما سبقه، وما نشرته صحيفة واشنطون بوست وغيرها من الصحف الغربية، وما صدر من بيانات عن منظمات المجتمع المدني في واشنطن ولندن وباريس أن الاستقواء على البحرين - تلك الجزيرة الوادعة منذ فجر التاريخ والحضارة في قلب الخليج العربي- مستمر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من أجل تحقيق أهدافهم الطائفية وتغيير النظام تحت شعارات حقوق الإنسان البراقة رغم الجهود الجبارة التي قامت بها مملكة البحرين من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، والتزام مليكها الشاب وبشجاعة متناهية بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، إلا أن كل ذلك لم يضع النقطة الأخيرة على تبعات أزمة 2011م. فماذا جاء في البيان المشترك الذي تلاه المندوب السويسري ألكسندر فاسل وحصل على دعم إعلامي من الوفد الأمريكي الذي وضع وخطَّط للبيان من أجل مزيد من الضغط على البحرين وسط ما تعانيه المنطقة من تهديدات خطيرة ونتائج غير واضحة لما ستؤول إليه الأوضاع بعد إقرار الكونجرس للاتفاق النووي مع إيران، وهو البيان الذي تجاوز الحدود وألهب نبرة التهديدات الإيرانية وغذى الحسّ الطائفي الكريه بين صفوف الشعب الواحد وأشعل الشارع البحريني في الداخل بمزيد من الأعمال الإرهابية التي قامت بها الأذرع المنقادة لإيران؟ يمكن تلخيص ما ورد في البيان من ادعاءات ومطالبات في النقاط الآتية: 1.السماح لمقرر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب بزيارة البحرين. 2.الإسراع بتنفيذ باقي توصيات كل من اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والاستعراض الدوري الشامل. 3.ضمان الحق في التجمع السلمي. 4.الاستمرار في إصدار التعليمات الواضحة إلى قوات الأمن بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. 5.إطلاق سراح جميع المسجونين لأسباب تتعلَّق بممارستهم لحقوقهم الإنسانية. 6.تهيئة الظروف المناسبة لاستئناف حوار وطني مفتوح وشامل. تلك هي أهم الخطوط العريضة للبيان السويسري المشترك ضد البحرين، وما يثير الاستغراب حقاً هي النقطة المتعلقة ب السماح لمقرر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب بزيارة البحرين فكيف تُثني الولايات المتحدة الأمريكية على هذا المطلب وهي التي لم تسمح له بزيارة سجناء معتقل غوانتانامو سيئ الصيت طوال فترة اعتقالهم؟ وعدم الاستجابة لاستفساراته فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبها الجيش الأمريكي في العراق وافغانستان؟ وهذا هو مضمون البيان الذي تسارعت دول صديقة مثل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، أمريكا للتوقيع عليه، في تجاهل تام للعلاقات التاريخية الوطيدة التي تربطها مع البحرين، فمؤخراً قام جلالة الملك بزيارة للجمهورية الفرنسية انتهت بتوثيق للعلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية كما صرَّح بذلك وزير الخارجية لجريدة الشرق الأوسط، كما تُقدِّم بريطانيا لوزارة الداخلية خبراتها الطويلة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان والتحقيقات الخاصة في التهم الموجهة ضد الشرطة، وترتبط ألمانيا مع البحرين بعلاقات تجارية واقتصادية قوية، ناهيك عن العلاقات المتميّزة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالبحرين والتي يطول شرح تاريخها وتفاصيلها. فلماذا وقَّعت هذه الدول الصديقة على البيان؟ بينما لم توقع عليه الدول الـ14 الأخرى التي يتألف منها مجلس حقوق الإنسان؟ يمكن اختصار الأسباب في النقاط التالية: 1.عدم اقتناع الدول الموقعة على البيان بالجهود التي بذلتها مملكة البحرين للوفاء بالتزاماتها التي وعدت بها خلال جلسات مجلس حقوق الإنسان في الفترات السابقة. 2.انتهاء الزيارات التي قام بها المقررون الأمميون لمجلس حقوق الإنسان إلى البحرين بوعود لم ترَ النور كما يَرَون - رغم ما قدموه من أفكار وشروحات لمساعدة البحرين على تنفيذ وعودها والتزاماتها، وعدم تمكّنهم من الاجتماع بصنَّاع القرار. 3.تقصير جهاز متابعة تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في إصدار التقارير الدورية حول الخطوات التي اتخذتها قطاعات وأجهزة الدولة في سبيل تنفيذ التوصيات التي خلصت إليها اللجنة، حيث اكتفى الجهاز بإصدار أربعة تقارير فقط في يونيو 2012م، نوفمبر 2012م، ديسمبر 2013م، فبراير 2014م مما يعكس انطباعاً سلبياً لدى الرأي العام العالمي الذي يحتاج لمثل تلك التقارير الدورية التي تساعد على تبيان جهود الدولة واهتمامها وسعيها الدؤوب لردع الصدع ومعالجة آثار الأزمة المؤسفة. 4.عدم اقتناع ال 14 دولة غير الموقعة على البيان بما ورد فيه، نظراً للغته غير الإيجابية وعدم موضوعيته، وتركيزه على جوانب القصور فقط وعدم إلقاءه الضوء على جهود المملكة في معالجة هذا الملف. 5.اهتمام الـ 14 دولة بمصالحها التجارية والاقتصادية مع دول مجلس التعاون وجعلها فوق كل اعتبار، مثل اليونان التي تعاني من أزمة اقتصادية خطيرة وخانقة تتطلَّب تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، وإسبانيا وإيطاليا اللتان تواجهان أوضاعاً اقتصادية متردية. ونتساءل هنا، لماذا يظل ملف حقوق الإنسان في البحرين في دائرة اهتمام أمريكا والدول الأوروبية؟ ولماذا لا تهتم هذه الدول بانتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة في إيران مثلاً؟ جواب هذا السؤال ينطوي على حقيقة مؤلمة وهي عدم تمكّن الوفد البحريني من مواجهة كافة التهم الباطلة والادّعاءات ضد البحرين بالحجج والأدلة القاطعة والبراهين القوية التي تدحضها، لسبب بسيط وهو عدم التنسيق المبكر بين الجهة المسؤولة عن هذا الملف وهي وزارة الخارجية وباقي الجهات المعنية في الدولة، فالاستعدادات الحكومية لمجلس حقوق الإنسان لا ترقى لمستوى هذا الحدث الهام والمؤثر على سمعة ومستقبل مملكة البحرين، كما أن المتابعة الإعلامية الرسمية والسعي لاطلاع الرأي العام المحلي والعالمي على تفاصيل الردود الحكومية لتفنيد كل التهم الموجّهة ضد البحرين ضعيف جداً، فأين هو التواصل والتنسيق بين وزارة الخارجية والأجهزة الحكومية ذات العلاقة بهذا الملف الخطير الذي يشكِّل هاجساً مستمراً كلما اقترب موعد انعقاد جلسات مجلس حقوق الإنسان بجنيف؟ وكيف يتواجد الوفد البحريني دون خطة موحَّدة يتم الاتفاق عليها مسبقاً استعداداً لهذا الحدث الكبير الذي تستغله بكل خبث الدول الغربية الصديقة وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس ومنذ عام 2011م وحتى الآن كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتغيير النظام في البحرين بما يخدم أجندتها الجديدة التي تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع والحدود في الشرق الأوسط وذلك من أجل قيام أنظمة عربية إسلامية تعددية على غرار الحكم الإخواني التعددي في تركيا كنموذج مثالي للأنظمة العربية في القرن الواحد والعشرين. لذلك فإن هذه الهجمة الشرسة ضد مملكة البحرين وما يكمن خلفها من أهداف خبيثة لا يمكن مواجهتها إلا بموقف خليجي موحَّد كما أشار بيان المجلس الوزاري الذي عقد اجتماعه في الرياض يوم 15 سبتمبر 2015م والرافض للبيان السويسري المشترك ومشيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد الدول التي وقعت البيان. وأعتقد أن أول إجراء من هذا القبيل لابد أن يكون ضد الحكومة السويسرية عبر اتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية المؤثرة التي تدفعها لإعادة النظر في مواقفها ضد دول مجلس التعاون، مثل: 1. وقف التعامل مع الشركات السويسرية ووكلائها. 2.عدم استقبال الوفود التجارية السويسرية في دول المجلس. 3.عدم قبول مشاركة الشركات السويسرية في مختلف المعارض التي تقام في دول المجلس. 4.عدم إتاحة الفرص للشركات السويسرية للحصول على المناقصات الدولية التي تطرحها دول المجلس في الأسواق العالمية. إلا أنه ومن واقع تجربتي في العمل الخليجي المشترك، وما شهدته خلال سنوات عملي الطويلة من مناقشات ومداولات بين دول مجلس التعاون حول مختلف القضايا، أستطيع القول بأنه ليس من السهل التوصل إلى موافقة جماعية على هذه الإجراءات، لاختلاف مصالح دول المجلس وسياساتها الخارجية مع دول العالم، ورغبتها في عدم المساس بسيادتها ومصالحها مع الدول وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي سوف تضغط بلا أدنى شك لعدم الإضرار بالمصالح الاقتصادية والتجارية السويسرية. وعليه فإن هذه النظرة الآنية القاصرة لدول المجلس تجعلني أدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان الذي لن يقتصر استغلاله على مملكة البحرين فحسب كما قد يتصوره البعض، فجميع دول المجلس معرَّضة لذات الهجمة الشرسة في زمن ما وفي وقت ما، مما يتطلَّب من دول مجلس التعاون الآتي: 1.الإيمان بأن قضايا حقوق الإنسان هي قضايا دول مجلس التعاون ككل، وأن أمر معالجتها يجب أن يتم في إطار منظومة مجلس التعاون كوحدة واحدة. 2.تعزيز عمل وأداء لجنة حقوق الإنسان بمجلس التعاون، عبر منحها صلاحيات أوسع في الرقابة على أوضاع حقوق الإنسان في دول المجلس وتقديم تقارير دورية موثوق بمصداقيتها ومعتمدة من قِبل مجلس حقوق الإنسان. 3.النظر بشكل جاد في تعيين خبراء في مجال حقوق الإنسان في بعثة مجلس التعاون في جنيف لتقديم المشورة حول ما قد تتعرَّض له دول المجلس في مجلس حقوق الإنسان أو حول العلاقات الثنائية بينها وبين الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم كل الصعوبات التي تواجه البحرين في ملف حقوق الإنسان أؤكد بأنني سوف أستمر بالمطالبة بتصحيح الأوضاع والأخذ بآراء ذوي الخبرة والاختصاص في جميع المجالات التي تتعلّق بسيادة دول مجلس التعاون، لإيماني الشديد بأن مجلس التعاون يجب أن يبقى كمنظومة خليجية بإمكانها أن تقدم الشيء الكثير للشعب الخليجي وتحميه من التهديدات والأطماع المحيطة به من كل جانب، وهو الحصن الذي سوف تتحطَّم على أبوابه جميع التهديدات الإيرانية والغربية الواضحة للعيان. المحلل السياسي للشؤون الاقليمية ومجلس التعاون