×
محافظة المنطقة الشرقية

داعش يُعدم عناصره الجرحى

صورة الخبر

لن ينتهي العالم إلى تعريف موحد للإرهاب وهذه إحدى التحديات التي سوف تواجه الدول في هذا القرن الذي سوف تستهلك سنواته في قضيتين رئيستين الأولى: محاربة الإرهاب والثانية معالجة آثاره، أما تعريف الإرهاب فلن يكون محور جدل كبير بين الدول لأنه يستحيل الوصول إلى تعريف محدد للإرهاب إلا وفق موضوع الإرهاب ذاته، مايهمني هنا هو موضوع الإرهاب الناتج عن التطرف الديني والتفسيرات المتباينة للخطاب الديني السائد. السؤال الملح: هل نحن نعاني من التطرف..؟، وهل يؤدى هذا التطرف فعلياً الى الإرهاب..؟ في مجتمعات إسلامية يشكل التدين فيها نسبة كبيرة على مستوى التطبيق السياسي والاجتماعي، بينما تتفاوت النسبة على مستوى التطبيق الفردي إلى درجة الازدواجية أحياناً، فنجد أن هناك طرقاً شائكة ومعقدة لتعريف المجتمعات وفقاً لهذه الفرضية القائلة بأن التدين قضية حساسة لا يمكن مناقشتها من خلال علاقتها بالتطرف أو عدم التطرف. لقد عانى التاريخ الإسلامي بشكل كبير من أزمة الوسيط الناقل للخطاب الديني بين المجتمع والمستوى السياسي، لذلك لن تتمكن الدول الإسلامية اليوم من الخلاص من أزمة التطرف حتى تتمكن من تقليص هذه الازدواجية بينها وبين شعوبها السؤال الثاني الأكثر إثارة في قضايا الإرهاب مرتبط بشكل الإرهاب وفرضيته التي ينطلق منها، فهل هو أزمة عقدية تواجه المتطرفين وترتبط في التطبيقات الدينية في المجتمع..؟، أم هو نتاج فرضيات سياسية تم دمجها في إطار تاريخي طويل من الصراع السياسي الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، هذا الكلام ليس فلسفياً يصعب تناوله، ولكنه ببساطة يعبر عن عدم قدرتنا على الجزم في تحديد المسؤولية الدينية وفصلها عن المسؤوليات السياسية والاجتماعية الأخرى التي تتداخل في تحليلات وتفسيرات الإرهابين. السؤال الثالث الذي يثير أزمة كبرى في تاريخنا الإسلامي منذ عشرات السنين يقول: ماهو النموذج الإسلامي المطلوب..؟ وهل هذه الدول، ابتداء من الدولة الأموية والعباسية وغيرها وانتهاء بدولنا اليوم التي تضع في دساتيرها أن دينها ومنهجها الإسلام، كل هذه الدول على غير حق..؟ لو استعرضنا تاريخنا لوجدنا أن الإرهاب باسم الدين كان مناهضاً لكل أشكال الحكم والسياسة في تاريخنا ابتداء من فتنة عثمان وحتى فتنة داعش مروراً بكل الصور السياسية للدول التي اتخدت من الإسلام منهجاً لها. عبر التاريخ نشأت الكثير من التجمعات الإرهابية إما على شكل منظمات أو بشكل فردي ولكنها جميعاً كانت تشترك في فرضية واحدة هي اتهام المنافسين بأنهم لا يطبقون الخطاب الديني كما يجب مع العالم انه لا يوجد عبر تاريخنا الإسلامي نموذج سياسي واجتماعي مثالي وهذه الحقيقة أدركتها الدول عبر التاريخ الإسلامي فتشكلت لديها مرونة سياسية واجتماعية استطاعت من خلالها أن تتكيف مع الواقع المحيط بها. السؤال إذاً لماذا أخفقت هذه الدول عبر تاريخنا منذ فجر الإسلام وإلى اليوم أن تفرض هذا التكيف مع الواقع على المجتمعات..؟، الأزمة الكبرى أنه لا يوجد تطابق بين الخطاب السياسي وبين الخطاب الاجتماعي في التعاطي مع الخطاب الديني، بمعنى دقيق تميزت المجتمعات الإسلامية على مر العصور بأنها تمارس تشدداً أكبر في عمليات التطبيقات الدينية وذلك عكس المستوى السياسي الذي يحكمها، هذا التفاوت بين الدول الإسلامية عبر التاريخ ونهجها السياسي وبين مجتمعاتها هو الذي خلف الفجوة التي ولد منها الإرهاب والتطرف. ولإيضاح الصورة في هذا الجانب نجد أن تنظيمات الإرهاب ومنها الأبرز (تنظيم القاعدة وداعش) أن التطبيقات الدينية والشرعية في هذه التنظيمات تركز على بعدين أساسيين الأول: يعتمد المظهر الخارجي من خلال رسم صورة مختلفة للمسلم كما فعل تنظيم القاعدة عندما اختار اللبس الأفغاني والعمامة للتعبير عن صورة المسلم وأصبحت ظاهرة اللبس الأفغاني معبرة بالدرجة الأولى عن المسلم المجاهد، في تنظيم داعش أصبحت الرايات السود وألوان الملابس السوداء والعمامة مشهداً مرتبطاً بالإرهاب. هذه الصورة تخلق لدى الفئات ذات الاستعداد للإرهاب حجم التناقض الذي يعيشونه في مجتمعاتهم، فتكون هذه الصورة أولى الخطوات القائمة على الإحساس بالاختلاف وضرورة اللحاق بجموعة المختلفين، حيث ينشأ لدى المتطرف فكرة المظلومية، البعد الثاني تلجأ من خلاله الجماعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية إلى التركيز على التطبيقات الدينية للدول مثلاً العلاقة بالدول غير الإسلامية أو التعاطي مع الخطاب الديني الوسطي وخاصة في قضية الجهاد ضد غير المسملين. إذاً تبدو الأزمة في أن الوسيط القائم بين المجتمعات والأنظمة السياسية في العالم العربي ألا وهو الناقل للخطاب الديني والمفسر له: يشكل محوراً أساسياً في إحداث هذا التناقض، وهذه مسؤولية الكثير من العلماء في عالمنا الإسلامي الذين عليهم أن يسهموا في إحداث تغيير حقيقي في قراءة فكرية تسهم في نقل الخطاب الديني إلى منطقة عصرية تساعد في قراءة واقعية من قبل الشعوب لأنظمتها السياسية، بمعنى أدق يعاني العالم الإسلامي من تناقض كبير بين الرؤية الدينية التي تعتنقها المجتمعات وبين الرؤية الدينية التي تعتنقها السياسات. التنظيمات الإرهابية تلعب على هذا الجانب وخاصة أن هذه التنظيمات مثلها مثل الدول تتطور في مضامينها الفكرية فعلى سبيل المثال كانت القاعدة تركز بشكل كبير على العمق الأيديولوجي لدى المنتمين، حيث كان التواصل مع فئات المتطرفين محدوداً وغير مضمون وما سوف يبقيهم منتمين إلى الإرهاب هو زراعة أيديولوجيا عميقة في فكرهم، اليوم تتطور الأدوات التنظيمية للجماعات الإرهابية وقنوات التواصل فأصبح التأثير المباشر والإغراء بالمكاسب السريعة أهم من زراعة ايدولوجيات راسخة لذلك نجد هذا التفاوت الغريب في المنتمين إلى منظمات الإرهاب في هذا الزمن من حيث الفئات العمرية والإطار الفكري. لقد عانى التاريخ الإسلامي بشكل كبير من أزمة الوسيط الناقل للخطاب الديني بين المجتمع والمستوى السياسي، لذلك لن تتمكن الدول الإسلامية اليوم من الخلاص من أزمة التطرف حتى تتمكن من تقليص هذه الازدواجية بينها وبين شعوبها وذلك من خلال بناء نموذج حديث للوسيط الناقل للخطاب الديني للمجتمع، عبر التركيز على علماء قادرين على فهم الواقع السياسي والواقع الاجتماعي والإطار الفكري المناسب للمجتمعات الإسلامية ببناء ثقافة فكرية مطورة تتناسب والقرن الحادي والعشرين.