من مجالات العلوم الإنسانيّة ما يمكن أن يتعزّز بمنهجيّة أو طبيعة علميّة، مستمدّة من مظاهر الأصالة الموجودة في الطبيعة. والدليل كالنهار في الجلاء، فما عبر إلينا ملايين السنين وظل قائماً ومرناً ومتأقلماً مع كل الظروف والأوضاع، جدير بأن يُدرس شأنه وآليّاته بعمق وتفكّر، فالإنسان لم يكن له وجود طوال تلك المئات من ملايين السنين. هذا مشهد طبيعيّ آخر لطرح سابق. في غمرة التأملات الحائرة في كنه تحوّلات العالم العربيّ، أومضت في الذهن مقولة رائعة لشاعر الهند الإنسانيّ رابندرانات طاغور ذات أبعاد سياسيّة بعيدة الغايات، بصرف النظر عمّا إذا كانت مقصودة أم غير مخصوصة بالتنظير السياسيّ. يقول: إن أفضل حماية للإنسان، كما للحشرة، هي الاصطباغ بلون البيئة. لكي يسمّى أيّ ميدان علماً، يجب أن يكون قابلاً للامتحان، وأن يصحّ ويستقيم في الاختبار على الدوام، في حين أن من أهل الرأي من يتردّد في إطلاق صفة العلميّة على العلوم الإنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس، لأنه لا توجد تجارب كافية تقطع بالإثبات المطلق أو النفي المطلق في شأن نظريات فرويد في علم النفس أو ماركس في الاقتصاد. في حين أننا نجد آلاف الشواهد الحيّة في عالم الحيوان وحتى النبات، التي تتجلّى فيها ظاهرة التلوّن بالمحيط، وانتقاله بما يشبه مقوّمات القوانين الطبيعية أو الفطريّة، عبر العصور وفي كل القارّات. مظاهر التكيّف مع الوسط ذات بعد سياسيّ مصيريّ. وعندما يتحدث طاغور عن الطريقة المثلى لحماية الكائن، فإنما يرمي إلى هدفه الأسمى وهو السلام كوسيلة للحماية. وهنا تجيش الشجون، لأن العالم العربيّ يعاني حالتين من عدم القدرة على الاصطباغ بلون البيئة. الأولى العجز العربيّ العام عن التجاوب التكامليّ ضمن العالم العربيّ رغم كلّ المقدّمات والمقوّمات الإيجابيّة المحفّزة، التي تحسده عليها كل الأمم، ذلك العجز الذي أدّى إلى التفكك لهشاشة اللحمة. والأخرى الحالة العدوانيّة بلا حدود منذ ما قبل قيام الكيان الدخيل إلى أيامنا هذه. والحالة الأخيرة، ضمن هذا الإطار، تنبئ بأن الإصرار على التصلّب المفرط، سيؤدي إلى الانكسار. لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: التأقلم مع المحيط لا يسقط المثل اللاتينيّ إذا رُمت السلام، فأعدّ للحرب. abuzzabaed@gmail.com