الذي لا يعرف الصقر يشويه كذلك الذي لا يعرف خبايا أسواق البترول يسهل عليه إبداء رأيه في كل شاردة وواردة من مسائل أسواق البترول من غير ان تطرف له عينان. من المواضيع التي درج الاعلام الغربي أن يُخوّف بها دول أوبك هو المبالغة في تأثير استئناف انتاج البترول الإيراني على تفاقم الفائض وانهيار أسعار البترول. لكن بإلقائنا نظرة فاحصة على تاريخ أرقام انتاج البترول الإيراني قبل المقاطعة مباشرة عام 2011 نجد أن انتاجها اليومي كان بين: 4.18 – 4.39 ملايين برميل (الخام + السوائل) طوال ثماني سنوات (منذ عام 2004 الى عام 2011) وهو أعلى مستوى وصل اليه انتاج البترول الإيراني على مدى ست وثلاثين سنة (منذ عام 1979 الى عام 2015). ثم بعد المقاطعة انخفض إنتاج البترول الإيراني اليومي الى بين: 3.53 – 3.74 ملايين برميل خلال سنوات المقاطعة (الأعوام: 2012، 2013، 2014). معنى هذا أن أقصى إضافة بعد زوال المقاطعة بالكامل وعودة الإنتاج الإيراني الى كامل طاقته الانتاجية القصوى قبل المقاطعة فإن كمية البترول الإيراني التي سيتم اضافتها الى أسواق البترول لن تتجاوز 759 ألف برميل في اليوم على الأقل في المدى الزمني المنظور (بين: 5 الى 10 سنوات قادمة). يضاف الى هذا ان عودة انتاج البترول الإيراني الى مستواه قبل المقاطعة حوالي 4.28 ملايين برميل يحتاج الى أكثر من ثلاث سنوات لذا فان الأرجح هو بقاء انتاج البترول الإيراني بين: 3.85 – 3.95 ملايين برميل (أي أن الزيادة لن تتجاوز 550 ألف برميل) لعدة سنوات قادمة والسبب هو ان المقاطعة أدت الى إيقاف أو تأجيل الشركات الأجنبية استثماراتها للتوسع وتطوير صناعة البترول الإيراني أكثر من تأثيرها على خفض انتاج البترول الإيراني. كذلك تصدير البترول الإيراني الى الأسواق العالمية لم يتوقف كما كان يُشاع في الأخبار التي ترددها وسائل الاعلام الغربية بل كان يُصدر على استحياء (تسللا) الى تركيا والصين والهند واليابان والدول الآسيوية بخصم ضئيل في السعر أدى الى خفض أسعار البترول أكثر من لو كانت إيران تُصدر بترولها علانية على المكشوف بدون المقاطعة. لماذا إذاً كل هذه الضجّة من قبل بعض المحللين الغربيين (وسار على نهجهم بعض المحللين العرب) الذين يهوّلون من تأثير الإنتاج الإيراني على أسواق البترول. أقرب التبريرات – بافتراضنا كعادتنا لحسن النيّة – لتبرير هذا التهويل من قبل الاعلام الغربي عن تأثير عودة البترول الإيراني الى أسواق البترول هو تسابق المحللين الى ابداء آرائهم لوسائل الاعلام المتعطشة لأخبار الاثارة من غير أن يُكلّفوا أنفسهم مراجعة ارقام انتاج البترول الإيراني قبل وخلال المقاطعة فيعتقدون (تأثرا بالقول الدّارج الصّيت ولا الغنى) أن المقاطعة أحدثت انخفاضا كبيرا في إنتاج وتصدير البترول الإيراني بينما الواقع غير ذلك. من الناحية الأخرى (وهي الأهم في التأثير على أسواق البترول) لو ألقينا نظرة على ارقام اجمالي انتاج بترول الدول الأعضاء في أوبك نجد أنه كان عام 2011 (قبل المقاطعة مباشرة) يبلغ 35.94 مليون برميل في اليوم (الخام + السوائل) بينما زاد خلال سنوات المقاطعة الى 37.47 مليون برميل عام 2012 ثم أصبح 36.59 مليون برميل عام 2014. الخلاصة: الأرقام أعلاه تُوضّح أنه في الوقت الذي انخفض انتاج إيران 759 ألف برميل يوميا زاد انتاج دول أوبك الأخرى 1.88 مليون برميل (ضعفي انخفاض البترول الايراني) وهذا يبدو بالتراضي الضمني بين دول اوبك بأنه في حالة انخفاض انتاج دولة يمكن غض الطرف عن الدول الأخرى لتعويض النقص في حدود السقف الأعلى لحصة أوبك وبالمثل عند عودة انتاج إيران تدريجيا سينخفض تلقائيا بالتزامن التدريجي انتاج الدول التي زادت انتاجها لتعويض انخفاض انتاج إيران.