يقول ملصق منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، إن أسهل وظيفة في العالم، هي وظيفة الأمين العام للأمم المتحدة، لأن ليس عليه أن يفعل شيئاً سوى أن يعرب عن قلقه. حسدت للحظة الأمين العام على وظيفته، ولكنني تراجعت حينما فكرت بالقلق الذي يعرب عنه. إنه قلق حقيقي وكبير، حتى وإن كان لا يشعر به في الواقع. يكفي أنه مضطر للتعامل يومياً مع أرقام دموية، ومآس إنسانية، وتعصب سياسي عميم! هذا شيء يوقظ الميت من موته فزعاً، ويدفعه لأن يجري حاسر الرأس، حافي القدمين في الشوارع، يستغيث ويلهج بكلام غير مفهوم، يشبه الجنون! يصل عمر المؤسسة الأممية منذ إعادة تأسيسها إلى سبعين عاماً، ولكن مبادئها لم تمنع العالم من الانجرار إلى نوبات التعصب السياسي الأعمى، الذي لا يقل خطورة عن تعصب المنظمات غير القانونية. ويمكننا أيضاً أن نتصفح الصحافة ونشاهد الإعلام العالمي، لنكتشف أن هناك مسافة هائلة بين ما يقوله إعلام الدول وما تفعله سياستها!. ليس هنالك مشروع عالمي موحد. العالم غارق في عشوائيات مرتجلة لا تصب في منطق، ما يجعلنا نترحم على الحرب الباردة التي تناطحت فيها رؤيتان، وتقابل في ميدانها مشروعان. وهنا، اليوم، يجب أن يلاحظ أحد أن النار التي اشتعلت بأكمام القميص، تحتاج إلى من يطفئها. وأن القمح لا ينبت في البرية، ولكن في الحقول المعزوقة، وبالمطر الذي يغيث به القدير أرضه، التي أورثها للبشر يمتحن بها غرورهم. وعلينا أن ننتبه إلى الفظائع التي فرضتها علينا منظمة إرهابية مثل داعش. لا يجوز أن تجد رديفاً في ما ينتج عن سلوك المؤسسات المدنية والاقتصادية، ولا يجوز أن تكون المؤسسات المالية محصنة ضد الدولة، وأقوى من حقوق المواطنة! علينا أن نكون متيقنين أن وجود الدولة ضروري في الاجتماع البشري. وأن المؤسسات لا يمكن أن تكِّون لوحدها دولة. وأنها دون الدولة، أو إن تم تحصينها إزاء الدولة، تكون محض منظمات مقلقة. وربما كانت هذه بالذات مأساة بان كي مون، صاحب أسهل وظيفة في العالم، الذي يعرب عن قلقه كل يوم لمختلف الأسباب والعناوين، ولكن سببه الأول، أنه يرأس مؤسسة، لا ترعاها دولة، وتتنازع قوى متعصبة سياسياً في الهيمنة عليها!