يبدو بعض الناس سعداء جدا بما يكسبون من أموال، لكن البعض الآخر لا يبدون سعداء كثيرا بذلك. لماذا الفروق في الرواتب إذاً؟ الصحفية ألينا ديزيك تستكشف النواحي النفسية المثيرة للفضول فيما يتعلق بالرضا بالرواتب. كصحفية حرة، أقضي الكثير من الوقت في التفكير بشأن حجم ما أكسب من مال. هل ينبغي علي أن أعمل لساعات أكثر، أو أن أحاول أن أرفع سعر ما أقدمه من أعمال لكسب مزيد من المال عاما بعد عام؟ هل أنا راضية بما أحصل عليه من دخل؟ لم يكن الأمر مختلفا لدي كثيرا عندما كنت في وظيفة ثابتة، فقد كنت دائما أقارن راتبي بذلك الذي يتقاضاه زملائي في العمل. إن تعلم الرضا بحجم ما تكسبه من مال يمكن أن يشكل صراعا مستمرا بالنسبة لك. تشير بعض الأبحاث إلى أن هناك مبلغ إذا تحقق فإنه يترك أغلب الناس يشعرون بالرضا لأنه يلبي الاحتياجات الأساسية لهم، (نحو 75 ألف دولار في العام، وفقا لدراسة نشرتها جامعة برينستون في الولايات المتحدة عام 2010). لكنني كنت آمل أن أتعلم السبب الذي يجعل بعض الناس راضين تماما - أو ساخطين تماما - بشأن حجم ما يكسبون من أموال، بغض النظر عن ذلك المبلغ السحري. لكن هل يمكن للشخص المولع دائما بمسألة الراتب أن يشعر بالرضا؟ الإجابة عن ذلك السؤال تنطوي على شيء من التعقيد، لكنها ليست مستحيلة. فجزء من السبب وراء انشغالنا برواتبنا يعود إلى ناحية بيولوجية، كما يقول بن-ساهار تال، المحاضر في علم النفس بأحد المراكز ذات الخدمات المتعددة بمدينة هيرتزليا، بإسرائيل. فحتى لو لم تكن في حاجة إلى راتب أكبر لتغطية نفقات إضافية، من الطبيعي أن تكون لديك رغبة في أن تكسب المزيد من المال. يقول تال: طبيعتنا لم تتغير كثيرا خلال القرون القليلة الماضية، ونحن لا نزال، بطبيعتنا، نحب اكتناز الأموال. لدينا حاجة إلى الحصول على المزيد والمزيد، حتى تكون لدينا فرصة للبقاء في المستقبل. لا تقارن تقول ميتشيل غيلان، مؤسسة معهد البحوث التطبيقية الإيجابية في الولايات المتحدة، إن إدراك أنك دائما تتقاضى راتبا أقل من أقرانك في العمل يعد العامل الأكبر في مسألة عدم الرضا عن الراتب. فهؤلاء الذين يقولون إنهم يتقاضون نفس ما يتقاضاه أقرانهم في العمل يكونون أكثر سعادة بشكل عام من الذين يشعرون باستمرار بأنهم يتقاضون راتبا أقل، كما تقول غيلان. وتضيف: الناس مشغلون دائما بالمقارنة تلك. وإذا شعروا أنهم يحصلون على مال أقل من شخص آخر في نفس المكتب، فربما لا يكونون راضين بذلك الوضع. ولمساعدة الناس في تكوين شعور أفضل تجاه رواتبهم، تنصح كاثلين فوهز، أستاذة التسويق بكلية كارلسون سكول للإدارة، بجامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة، العمال بالتفكير في المال فقط كوسيلة، وليست كمعيار يحرضهم ضد أقرانهم. وتضيف: من السهل جدا أن تقارن راتب شخص برواتب آخرين لأن المال قابل للقياس الكمي. لكن هناك أشياء أخرى في الحياة لا يمكن قياسها بسهولة. وبالنسبة لهؤلاء الذين يريدون حقا أن يشعرون بالرضا (ولا يودون فقط أن يكون هناك ما يشتكون منه)، يقول تال إن تحويل التركيز نحو ما نمتلكه بالفعل بدلا من التركيز على ما لا نمتلكه يعد أمرا محوريا في ذلك السياق. ويضيف أيضا أنه يمكن لذلك الأمر أن يكون بسيطا، فالتبرع بالمال، وذكر امتنانك وشعورك بالشكر تجاه ما لديك بالفعل في حياتك يمكن أن يساعدك في تكوين مزيد من الشعور بالرضا بما تكسبه من مال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن من خلال إنفاق الدخل الفائض على اكتساب الخبرات بدلا من أشياء أخرى أن يساعد العمال على الشعور بمزيد من الرضا براتبهم الحالي. دعم الشفافية وتضيف غيلان أن بناء شبكة محدودة داخل مجال عملك تسمح بفتح حوارات أكثر انفتاحا مع أقرانك بشأن الرواتب يمكن أن يساعدك في تحقيق مزيد من الرضا لديك. لكن ذلك يحدث فقط إذا كنت تتمتع بعلاقات جيدة جدا مع زملائك. وعلى مستوى الشركة، يمكن لبعض الحوارات التي يقودها مديروك في العمل أن تساعد في إزالة أي سخط بشأن الرواتب. فقد أظهر بحث أجرته شركة باي سكال، وهي شركة متخصصة في مجال المعلومات والبرمجيات، أن إخبار الموظفين بشأن الطريقة والأسباب التي دعت الشركة لتحديد قيمة الرواتب يساعد العاملين فيها على الشعور بالرضا بتلك الرواتب وفي المساعدة في تحسين الثقافة السائدة في الشركة. يقول تيموثلي لاو، نائب رئيس قسم التسويق بشركة باي سكال في سياتل بالولايات المتحدة: يعد إجراء مزيد من الحوارات الشفافة بشأن الرواتب من الأمور المهمة جدا لتعزيز مشاعر الرضا، في بيئة العمل. ومع غياب ذلك النوع من الشفافية من السهل الوقوع في افتراضات غير صحيحة بشأن راتبك وراتب الموظفين الآخرين بالشركة، كما يقول لاو. ويضيف: إذا كنت تشعر بأنك تحصل على راتب أقل مما تستحق، لكنك تتقاضي أكثر من ذلك بشكل موضوعي، فلن تحصل على الشعور بالرضا. تحقيق التوازن يمكن لشعورك بالرضا بالراتب الذي تتقاضاه أن يتأثر بسهولة بمدى ما لديك من مشاعر رضا بأمور أخرى مختلفة في حياتك، مثل الوقت الذي تقضيه مع أفراد عائلتك، أو ممارسة بعض الهوايات خارج نطاق العمل، كما تقول غيلان. فالأشخاص الذين يشعرون بأنهم منهمكون في أعمالهم ومع ذلك يقضون أوقاتا جيدة خارج نطاق العمل، لا يهتمون كثيرا بالأرقام الخاصة بالرواتب. وتقول غيلان أيضا أن معظم الأبحاث تشير إلى أن جزءا صغيرا فقط من السعادة يمكن أن يتولد من حجم المبلغ الذي يكتسبه المرء، بينما الجزء الأكبر من السعادة يعتمد على الجينات التي لدينا وكيف يتعامل المرء مع العالم من حوله. وتضيف: هناك معنى أعمق وراء ما يمكن أن تفعله الرواتب لنا. مع كل سبق، لا تزال الرغبة في الحصول على راتب أعلى أمرا ينطوي على بعض الإيجابيات. فالشعور بعدم تلقي الأجر المناسب قد يدفع البعض إلى عمل تغيير ضروري في مجال المهنة، أو بذل جهد أكبر من أجل تحقيق التفوق والتميز في الوظيفة الحالية للحصول على مكافآت لاحقا. ويمكن أن يؤدي تذكير الأشخاص براتبهم الذي يتقاضونه إلى تحفيز الموظفين لتحسين جودة العمل الذي يقومون به، وفقا لبحث أجرته كاثلين فوهز، من كلية كارلسون سكول للإدارة. وتضيف فوهز: إن مجرد التفكير في المال يجعل الناس يرغبون في العمل بجدية أكثر وفي أن يكونوا في وضع أفضل. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.